تراقب ميرا والدتها الواقفة أمام المرآة، مدققة في خطوات استخدامها لمستحضرات التجميل، دون أن تكف عن سؤالها عن الغرض من الأدوات المنتشرة أمامها، ولم تتخيل الأم أن يحتل الموضوع حيزًا كبيرًا من تفكير الفتاة التي وضعت قدميها حديثًا على عتبة سن المراهقة.
تقول آلاء سالم (32 عامًا): "عندما كانت ابنتي صغيرة وتطلب مني وضع بعض المكياج على وجهها لم أعارض ظنًا مني أنها عندما تكبر لن تخوض التجربة مجددًا، ولكني أجدها اليوم متعلقة فيه أكثر رغم محاولتي إقناعي بأن الجمال ليس شكلًا فقط".
وتشير إلى أن "ميرا" تقضي أوقاتًا طويلة على الهاتف المحمول وبرنامج "التيك توك"، وتنجذب نحو مؤثرات يضعن المكياج، ولكنها لا تستطيع أن تفرق بين البيئات، فتسعى لتقليد ما تفعله المؤثرات، وتخشى أن يؤثر ذلك على شخصيتها ومستواها الدراسي.
وبحكم تجربة فداء داود في تربيتها ثلاث فتيات، ترى أن البنات يولدن محبات للأناقة والجمال، معتقدة أن الفتيات يتعلمن تلقائيًّا من أمهاتهن، "إلا أن الشغف بمستحضرات التجميل هذه الأيام اختلف عما عاشته هي وشقيقاتها بحكم البيئة الاتصالية وتطبيق التواصل الاجتماعي".
وتفاجأت فداء مؤخرًا من طريقة وضع إحدى بناتها للزينة على وجهها، رغم أنها لم تكن تهتم بوضعه في الطفولة كبعض الصغيرات، لتظهر لديها مخاوف من تمسّكها فيه عند خروجها من البيت، "لذا أحاول ثنيها عن استخدامه وتوبيخها أحيانًا، إلا في حدود مناسبات اجتماعية".
تأثير البيئة
وتعتقد الفتيات الصغيرات أن استخدام مستحضرات التجميل يزيد أنوثتهن بفعل متابعتهن مواقع التواصل الاجتماعي والمشاهير وما تعرضه من محتوى والشكل الذي يظهرن به، وطريقة وضعهن المكياج، فيظهر لديهن شغف في خوض التجربة، "وهذا السلوك التي تنتهجه بعض الفتيات يستنكره الأهل الذين يجدون أنفسهم في حيرة من أمرهم في كيفية التعامل مع ابنتهم لثنيها عن هذا الفعل"، يقول اختصاصي الإرشاد النفسي د.حسن القطراوي.
ويبين أن البيئة هي التي تحدد العُمر الزمني لشغف الفتيات الصغار بمستحضرات التجميل، فالبيئة هي المصدر الرئيس الذي من خلاله يتحدد استجابة الفتاة وشغفها بمستحضرات التجميل نتيجة رؤيتها والدتها ومن حولها وكيفية تعاملهم مع هذه الأشياء.
ويشير د.القطراوي إلى أنه لا يمكن أن يرتبط شغف الفتيات بمستحضرات التجميل بمرحلة المراهقة، فهو يسبقها، لكنه بالتأكيد سيؤثر على سلوك الفتاة في المستقبل.
ويقول: "الفتاة لديها رغبة كبيرة في أن تظهر جميلة أمام الناس، وهذا شيء فطري، لكن أيضًا شغف من حولها بأهمية الجمال والإكثار من استخدام مستحضرات التجميل، والحديث الدائم عن هذه الأشياء هو ما يلفت نظر الفتيات الصغار".
ويضيف: "إذا كان لدى الفتاة شغف كبير باستخدام مستحضرات التجميل فيما يشبه المرض، على الأم إبعاد الفتاة عن هذا الشغف تدريجيًّا، حتى تشعر بأن شغفها تجاه ذلك قلَّ نسبيًا، ثم البدء في المعالجة بمنع استخدام مستحضرات التجميل أمام الفتاة الشغوفة بذلك".
وهناك العديد من الأسباب التي تعزز رغبة الفتيات باستخدام المكياج، كتأثرها بما تتابعه على وسائل الإعلام والبرامج التي تهتم بالمظهر والجمال فتظهر لديهن رغبة للتقليد والتجربة، كما أن بعضهن تضعه لزيادة ثقتها بنفسها، ولكن أحيانًا قد تكون المبالغة باستخدامه دليل على وجود اضطراب في الشخصية، أو لتعلق ببعض المشاهير يدفعهن إلى التقليد والتأثر بهن.
الاستعانة بوسائل بديلة
وينصح د. القطراوي في حال كان لدى الفتاة شغف باستخدام مستحضرات تجميل تناسب سن الفتيات الصغار، وعدم منعها بالكلية، والعمل على تقديم بدائل جيدة كألعاب الذكاء والقراءة والمطالعة والرياضة وغيرها.
ويلفت إلى ضرورة توعية الفتاة دون تعنيف بأنها ليست في السن المناسب لاستخدام مستحضرات التجميل، في الأوقات غير الضرورية، والحرص على عدم استخدام الأم لمستحضرات التجميل أمام فتياتها، والتقليل من الحديث عنها أمامهن.
ويؤكد تقرير نشره موقع "فاميلي لايف شير"، أنه لا يمكن للأم أن تمنع ابنتها من النمو، ولكن يمكنها التعامل مع حبها الجديد للمكياج برفق وتفهم، وذلك من خلال سؤالها لطفلتها عن سبب حبها لوضع المكياج، وأن تعمل على تقديم حلول يمكنها أن ترضي فضولها باستخدام مستحضرات التجميل.
وتوصي خبيرة الأبوة والأمومة "جان فول" بترك المراهقات يضعن مرطب شفاه ملونًا، على سبيل المثال، لأن هذا "يعطي شفاههن القليل من اللمعان واللون، لكنه لا يعطي مظهر أحمر الشفاه الكامل"، وتقترح السماح لهن باستخدام "الماسكرا" الشفافة التي تفصل الرموش وتعززها دون أن تظهر العيون بوضوح.
كما ينصح الموقع الأم أن عليها أن تؤكد بأن جمال الفتاة تبدو أجمل وأكثر براءة من استخدامها المكياج، إضافة إلى مناقشتها مساعي وسائل التواصل الاجتماعي من غرسه في نفوس المراهقين.