وفقا لتجربته، يؤمن الغزيّ رشيد عنبر بأن للحيوانات الأليفة والطيور تأثيرا إيجابيا بالغ الأهمية على سلوك الأطفال وتفكيرهم ونموهم، ولأجل إيمانه هذا حاول أكثر من مرّة أن يستخدم ما يملكه من حيوانات وطيور لصالح الأطفال، لكن العديد من المؤسسات رفضت فكرته، وقبل نحو شهرين تمكن من تطبيق ما يصبو إليه، فنفّذ مبادرة "صديقي الحيوان"..
عنبر (31 عاما)، الحاصل على ثلاث شهادات دبلوم في العلوم السياسية وصيانة الأجهزة المكتبية والإخراج والكتابة مسرحية، يربّي عشرات الحيوانات الأليفة والطيور بمختلف أنواعها، ويحرص على جمع المزيد منها، رغم التكلفة المالية العالية، علاقته بها قوية للغاية، ومنها ما يرفض التخلي عنها تحت أي ظرف..
"فلسطين" سألته بتفصيل عن تربيته للحيوانات، وعن مبادرة "صديقي الحيوان"..
أخرج عين قطة!
في طفولته، كان تعامله مع الحيوانات مثيرا للاستغراب، أخرج عين قطة، وحاول أن يستكشف ما بداخل رأس بطة، ما بدا على أنه عنف وعدوانية، دفع عائلته إلى التوجه به إلى طبيب نفسي، وقد كان للطبيب وجهة نظر أخرى، إذ رأى أن في الأمر علامة على مستوى عالٍ من الذكاء، وتوقع أن يكون الطفل، عندما يكبر، محبا للحيوانات ومهتما بها، وقد حدث.
بناء على ما قاله الطبيب النفسي، أتاحت له العائلة التعامل مع الحيوانات الأليفة التي يربيها والده، ولكن مع مراقبته عن بعد، حتى لا يؤذيها، وسرعان ما ظهر حبّه لها، وشيئا فشيئا، زاد تعلقه بها، وأصبح يبحث عن المزيد من الأنواع لامتلاكها، حتى أن العائلة أخذت منها عامل تحفيز له، كإعطائه وعدا بشراء نوع معين له مقابل الحصول على علامات جيدة في المدرسة.
وفي المرحلة الجامعية، أصبح عنبر يبحث عن الحيوانات النادرة، واعتاد أن يدخر مصروفه ليشتريها بآلاف الشواكل، ولاقى الأمر استنكار عائلته، متسائلين: "ماذا لو مات الحيوان الذي اشتريته بهذا المبلغ الكبير؟!!".
باسمه..
كان عنبر يشتري الحيوانات صغيرة ويربيها، تكبر عنده، فتعرفه جيدا، حتى أن الناطقة منها، كالببغاء، تناديه باسمه، ولشدة تعلقه بها كان قبول الزوجة بوجود هذه الحيوانات شرطا في زواجه، بالإضافة إلى أنها فرضت حبّها على أهل البيت، بسبب طرافتها في بعض الأحيان، خاصة أنها تقلّد أصوات أهل البيت وليس كلامهم فقط.
حاليا يقتني عنبر العشرات من الطيور المختلفة، وعشرات أخرى من "الهمستر"، وقططا وكلابا وسلاحف وسناج، يبقي على عدد قليل منها في بيته، والبقية في أرض يملكها صديقه، يبيع بعضها، ويخسر إن مات أحدها، ولكنه يرفض رفضا قاطعا أن يبيع ببغاء اشتراه قبل أربع سنوات، وطيرا آخر اقتناه مؤخرا، فهذان يبقيهما له، حتى أنه رفض بيعهما في فترات ضيق مالي مرّ بها، رغم أن سعرهما المرتفع كان كفيلا بحل هذه الأزمات، وأكثر من ذلك أنه يقتطع من دخله باستمرار ليشتري المزيد من الحيوانات والطيور.
قبل سنوات، افتتح عنبر محلا لبيع الحيوانات الأليفة والطيور، لكن الأوضاع الاقتصادية حالت دون نجاح المشروع، وكرر التجربة أكثر من مرة، وفي كل مرة كانت تنتهي بإغلاق المحل، خاصة أن ما اشتراه بأسعار عالية جدا، تدنت أسعارها كثيرا في الوقت الحالي.
الفرق الواضح
الحالة النفسية تتحسن كثيرا في وجود هذه الحيوانات، وفقا لتجربة عنبر، حتى أن بعض حيواناته، إذا ما رأته غاضبا، تحوم حوله وكأنها تخفف من غضبه، وبالنسبة للأطفال، فهي تزيد ذكاءهم وتفاعلهم الاجتماعي وتحسن شكل هذا التفاعل، وهذا ما لمسه من الفروق التي يراها بين ابنه وابنته، اللذين كبرا في وجود الحيوانات، وأقرانهم.
ملاحظة عنبر للتأثير الإيجابي للحيوانات على ابنيه، دفعته للتفكير في استخدام حيواناته وطيوره لصالح الأطفال، وعرض فكرته على أكثر من جهة، لكن الرفض كان الرد دوما، ولكن قبل نحو شهرين وجد فرصته أثناء عمله كمنشط للأطفال في مخيم تابع لمدرسة خاصة، ووجد نتائج فاقت كل توقعاته.
يقول عنبر لـ"فلسطين": "المبادرة ذاتية، طرحت فكرتها على مدير المدرسة، وقبلها، فرّغ لي غرفة لإبقائها فيها طوال فترة المخيم، ووجدت إقبالا كبيرا من الطلبة، حتى أن عددا من أولياء الأمور ألحقوا أبناءهم بالمخيم بعد معرفتهم بوجود الحيوانات والطيور، وبعض الأطفال الذين كانوا قد ملّوا من المخيم طالبوا بتمديده للسبب ذاته".
ويضيف: "أردت من خلال المبادرة أن أعزز الرأفة بالحيوان عند الاطفال"، متابعا: "استخدمت في المخيم حيوانات أليفة جدا، ولم يعتد الأطفال التعامل معها، مثل المستر والخنافس والأفاعي، وأثبت للأطفال أننا لو أحسنا التعامل معها فستشعر بنا ولن تكون خطرة، وأن الحيوان يقبلنا كما نحن بينما نحن نرفضه إن لم يعجبنا شكله".
ويواصل: "التعامل مع الحيوانات يعزز عند الأطفال امورا مثل الجانب العاطفي لوجود شيء يحبه ويهتم به، وكذلك ينمي التفكير والقدرات الحركية من خلال اللعب معها مثل القطط والكلاب، لافتا إلى أن الحيوانات الناطقة كانت أكثر ما أسعد الأطفال، وكانت مميزة جدا بالنسبة لهم، وكل كلمة يسمعونها منها كانت مصدر سعادة لهم.
باص متنقل
وبحسب عنبر، فإن بعض الأطفال المشاركين في المخيم كانوا شديدي العنف في التعامل مع الآخرين، وبعد دمجهم في زاوية الحيوانات الأليفة صار عندهم رأفة بهم، حتى أن منهم من كان يقترح أن يحضر طعاما لها في اليوم التالي.
ويشير إلى أن بعض الأطفال كانوا من مصابي التوحد، وكان قبولهم للمكان صفرا، وبدخولهم لهذه الزاوية تغير حالهم.
ويلفت إلى أن النتائج فاقت توقعاته، وبعض الأهالي أخبروه بتغيرات إيجابية في سلوك أبنائهم، ومنهم دفعته هذه التغيرات إلى شراء حيوانات أليفة أو طيور لأبنائهم.
ويقول عنبر: "رأى الأطفال عالم الحيوانات عن قرب، فمثلا إحدى إناث (الهمستر) كانت حاملا ووضعت مولودها في فترة وجودها في المخيم، فشاهد الأطفال هذه المراحل، وأطلقوا أسماء على المولودين، وأصبحوا يهتمون بهم ويطعمونهم، وعلّمتهم ترويضها في هذا العمر".
ويضيف: "اخترت من الأطفال مساعدين لي في الترويض، وحرصت على أن يكونوا من أكثر الأطفال خوفا وتقززا من الحيوانات، وقد تغيرت مشاعرهم هذه تماما".
ويأمل عنبر بأن تتبنى جهة ما فكرته، وأن يصبح لحيواناته وطيوره مكانا متنقلا، باص على سبيل المثال، يتنقل به بين رياض الأطفال والمدارس، ليغير بهم سلوك الأطفال.