يستمر الاستيطان في تهويد كل ما يوجد على الأرض الفلسطينية، وقرية بروقين قضاء سلفيت في منطقة البقعان على ما يبدو أنها ضمن قائمة الاستهداف، حيث تتربع مدينة "كهوف الشمس والقمر" أو ما تسمى بخربة قرقش المتاخمة لمصانع المستوطنين في المنطقة الصناعية المُلاصقة لها.
لم يخفِ رئيس بلدية بروقين جبر صبرا قلقه إزاء اندثار "القرية الرومانية" والبالغ عمرها 1200 عام قبل الميلاد بفعل مصانع المستوطنين التي لا تبعد عنها سوى بضع عشراتٍ من الأمتار، قائلًا: "الزحف الاستيطاني في المنطقة لا يتوقف، إضافة إلى تهديد المستوطنين بتهويدها والذين لا ينفكون عن الادعاء بأنها "آثار تلمودية" مع أن حقيقة الأمر مختلفة".
ويضيف صبرا لــ"فلسطين": "إنها منطقة أثرية بامتياز؛ إذ تنقسم إلى منطقتين؛ منطقة مساكن من الناحية الغربية ومنطقة أضرحة وبِرك ومعاصر للزيت والعنب وآبار من الناحية الشرقية، كما تحتوي على نقوشٍ في غاية الجمال".
والأضرحة الموجودة في الناحية الشرقية دُفن فيها ملوك وقادة عظماء؛ وأناس عاديون عاشوا مع قادتهم، وهي بحاجة إلى ترميم خوفًا من الاندثار؛ لكن الاحتلال يمنع ترميمها بحجة أنها تقع في مناطق "ج" حسب تقسيمات اتفاقية أوسلو، حيث المسؤولية الإدارية والأمنية تتبع لسلطات الاحتلال.
وأضاف صبرا: "هذه المدينة الأثرية الرومانية نقشتها ورسمتها يد فنان بإزميل ومِطرقة، حيث إنها نحتت من الصخور، ومما يلحظ أن فيها مكانًا لمسجد مما يدل على أنها عاصرت الإسلام".
وتوقع خبراء آثار بعد اطلاعهم على هذه المنطقة ومكوناتها أنها إذا ما تم ترميمها والاهتمام بها ستكون من أهم المناطق السياحية في فلسطين؛ وفقًا لرئيس بلدية بروقين.
وقال: "ينظم المستوطنون زياراتٍ ميدانية لها، وقبل أيام قدم عشرات المستوطنين إليها وهذه إشارة خطيرة لتهويد المكان وضمه إلى المنطقة الصناعية للمستوطنين، وبالتالي السيطرة عليها بالكامل كما حدث مع مناطق قريبة من مستوطنة "أريئيل" المجاورة".
وأعرب صبرا عن قلقه البالغ من أن تُصنف هذه المدينة الأثرية ضمن قائمة المواقع الأثرية اليهودية في فلسطين، ما يحمل دلالات خطيرة، لا سيما أن الاحتلال يتبع سياسة التدريج في السيطرة على المواقع الأثرية.
ونبه على خطرٍ آخر وهو لصوص الآثار الذين يدمرون بعض مرافق هذه المدينة ذات الإرث القديم النادر بحثًا عن آثار بغرض بيعها بثمن بخس.
وتكمن أهمية هذه المدنية التاريخية بالنسبة للفلسطينيين أنها إرث تاريخي مميز يحاكي مدينة البتراء الأردنية، على صعيد شكل المساكن والأضرحة والقبور والبرك والساحات الموجودة، إذ تبلغ مساحتها قرابة العشرين دونمًا في الشقين الغربي والشرقي.
وتوجهت بلدية بروقين في الآونة الأخيرة إلى جهاتٍ عدة لأجل المطالبة بحماية هذا الإرث من الاندثار أو السيطرة عليه من قبل المستوطنين، وذلك بتوفير طواقم لترميم الكهوف وكل المرافق، ووضع أسيجة تحمي هذه المنطقة، وتوثيق كل مرافقها لتكون من المعالم الفلسطينية التاريخية المهمة في فلسطين، ومخاطبة منظمة يونسكو ليكون لها دور في حمايتها من الاستيطان والتهويد، حيث إنها اكتشفت عام 1871م كموقع تاريخي بامتياز.
ويعقب الخبير الميداني بشؤون الاستيطان بشار القريوتي بالقول: "كل المواقع الأثرية في الأراضي الفلسطينية تقع في المناطق المصنفة "ج" حسب اتفاقية أوسلو مما يوقعها تحت سيطرة إدارية وأمنية من قبل الاحتلال، بمعنى آخر هي تقع في فوهة الاستهداف المباشر؛ مما يمثل خطرًا محدقًا على مستقبل هذه المواقع عبر تهويدها بالكامل وضمّها للمستوطنات كما جرى في المنطقة الأثرية في خربة قرقش المجاورة لمستوطنة آريئيل".