يتكرر كل يوم في أركان الأرض الأربعة التحذير من مآلات حكومة نتنياهو السادسة والجديدة، وغرقها في أوحال اليمين الثيوقراطي، بل ويضعون الأيادي على القلوب خشية انفجارات لا تُحمد عقباها، ليس على الأراضي الوطنية الفلسطينية المحتلة، وإنما في الإقليم، وارتدادات ذلك على الاستقرار والسلم الدوليين.
ردود الفعل هذه، لا تسمع فقط من الدول العربية والإسلامية على بعض المستوى الرسمي، أو الشعبي، وإنما تتردد في أرجاء دول تعدُّ حليفة للكيان، بل وتسانده بكل أسباب القوة، وفي كل الحقول.
وتتركز خشية البعض الحليف لـ(تل أبيب)، في أن يؤدي ذلك إلى زيادة الانقسامات الداخلية، التي تستمر فصولها منذ سنوات بين أخلاط استيطانية متناقضة، لا يجمعها إلا مشروع استعماري، وسياسي، واقتصادي، ودموي، وجشع، ألبسوه لباس الدين زورًا وبهتانًا.
وبعدما منح 63 من أصل 120 نائبًا بالكنيست، ثقتهم للحكومة التي تشكلت من وزراء من حزبه "الليكود"، وأحزاب دينية متشددة ويمينية متطرفة وفاشية، أدى نتنياهو اليمين الدستورية رئيسًا للوزراء، حتى أن رئيس التجمع الاستيطاني إسحاق هرتسوغ، وفي انعكاس للقلق المتزايد فقد أعاد القول، إنه على الحكومة أن تخدم جميع المستوطنين، سواء كان أولئك الذين صوتوا لصالح تحالفها، أو الذين جانبوا تأييدها.
وترى صحيفة "هآرتس" أن نتنياهو سلّم الرايات، ورفع الأيادي لأكثر القوى تطرفًا وعنصريةً وإرهابًا ومثليي الجنسية، ما سيفاقم الانقسامات الداخلية الحادة أصلًا، ويحذر جدعون رهات، الباحث السياسي في الجامعة العبرية في القدس من أن مصطلح (إسرائيل الكبرى) يمثل جوهر أيديولوجية من يحكمون الكيان الآن، ومن بين أركانها أن تشمل جميع الأراضي، من نهر الأردن حتى البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك الضفة الفلسطينية المحتلة، ويضيف الباحث أن الحكومة اليوم تعد هذه هي أرضهم التوراتية، ولديهم الحق في ضمها رسميًا، وأن سموتريتش سيبدأ بالضم الفعلي للمنطقة C التي تقارب الـ60% من مساحة الضفة، تمهيدًا لضم المنطقة بكاملها وإعلانها جزءًا من الكيان.
كما كشف رئيس الوزراء السابق، لابيد عن فحوى رسالة تركها على مكتبه قبل تسليمه لنتنياهو.
جاء ذلك في تغريدة نشرها لابيد، الذي أصبح رسميًا رئيسًا للمعارضة، وذلك على حسابه بموقع "تويتر" يقول لابيد: "لقد تركت هذه الورقة على مكتب رئيس الوزراء"، مرفقًا بتغريدته، صورة لورقة خطها بيده، جاء فيها "لابيد -2024" في إشارة إلى تعهده بأنه سيعود رئيسًا للوزراء عام 2024، وقد سقطت حكومة نتنياهو.
كما وجه وزير الجيش السابق بيني غانتس، تحذيرًا لخلفه يوآف غالانت من تشظي الجيش، وسيطرة أهواء المتطرفين على أمن واستقرار الكيان.
وقد جاء ذلك، وفقا لما ذكرته القناة "12" العبرية في تدوينة له على حسابه بموقع "فيس بوك"، قال فيها بيني غانتس: "بالأمس، عندما نزلت للمرة الثانية في حياتي من الطابق 14 في الكرياه (وزارة الجيش)، مع فهمي أن المسؤولية عن أمن (إسرائيل)، قد نزلت عن كاهلي، شعرت بشعورين متضاربين، راحة في الليالي التي يمكنني فيها النوم على التوالي، دون الجلوس في حفرة، أو الانتظار بجانب الهاتف الأحمر، ومن ناحية أخرى الخوف الحقيقي على أمن واستقرار البلاد، الذي يعتمد الآن على أهواء متطرفين وعديمي الخبرة".
ويضيف غانتس، "عندما التقيت خلفي يوآف غالانت -وأتمنى له التوفيق- قلت له، إنني منزعج جدًا من انقسام وزارة الجيش، وتداعيات التصرفات المتطرفة في الحكومة، والتي قد تكون لها آثار سلبية إستراتيجية".
وصرح بعد ذلك أيضا، بأنه يغادر بعد عامين ونصف، وهو يشعر بالرضا، ولكنه يعيش قلقًا على أمن الكيان.
وكان بيني غانتس ، قد شغل منصب وزير الجيش مرتين على التوالي، الأولى في 17 أيار 2020، في حكومة نتنياهو التي لم تعمّر طويلًا، والثانية في 13 حزيران 2021 ولمدة عام ونصف العام، ضمن ما سميت حكومة الوحدة التي خسر معسكرها الانتخابات الأخيرة، التي أجريت مطلع شهر تشرين الثاني الماضي، ليعود نتنياهو مجددًا رئيسًا للوزراء مع تحالف يميني لم تشهده المنطقة من قبل، والذي سيسجل معه التاريخ صراعات داخلية حادة داخل تجمع المستوطنين سيصل أوارها إلى مداه، إلى جانب حرائق ممتدة مع الشعب الفلسطيني المرابط على ترابه الوطني بقيادة فرسان مقاومته الباسلة، وستشهد ملفات كثيرة جولات غير مسبوقة في القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية، وعلى جبهة الاستيطان ومعارك صمود الشعب الفلسطيني المنزرعة والمتجذر على أرضه المحتلة عام 1948.
لقد جمع عام 2022 آخر أوراقه ورحل، ولكن ارتداداته ما تزال ماثلة ومحفورة في القلوب والعقول، وستظل قدس فلسطين مركز وعنوان المرحلة، عاصمة أبدية لفلسطين ولكل العرب والمسلمين وأحرار الدنيا، وستبقى وجهة البوصلة للتصدي لكل محاولات حكومة النازيين الجدد لتهويد المسجد الأقصى المبارك، والهجمة على مناهج التعليم، وخطط الترانسفير المنهجية، والتغلغل الاستيطاني في قلب المدينة وحولها، فقد كان الأقصى في قلب المواجهة لكونه مركز معركة حسم وتثبيت الهوية اليهودية. التي تمثلت في الاقتحامات الكبرى لتفريغ الأقصى المبارك كاملًا، وفرض الطقوس التوراتية، وتكريس الأقصى ليمثل موقعًا دينيًا يهوديًا خالصًا.
إنهم يفرضون معركة دينية وطنية من أوسع أبوابها، تفرض ثباتًا ووحدة لكل المكونات الوطنية، ومقاومة بكل الوسائل لصد هذا التغول الفاشي، ورده إلى نحر هذا التجمع الاستيطاني غير الشرعي، مقاومة تراكم نقاط القوة حتى دحر الاحتلال الكولونيالي، وتطهير التراب الوطني من رجسه، وطنًا حرًا سيدًا مستقلًا.