فلسطين أون لاين

فشلت بمشروعها السياسي فتستخدم سوط الاعتقال لـ"إثبات جدارتها" للجهات الدولية

تقرير بـ 1200 حالة.. عام 2022 يسجل أعلى نسبة اعتقال سياسي بالضفة

...
أمن السلطة بالضفة
رام الله - غزة/ يحيى اليعقوبي:

لم تشهد الضفة الغربية حالات اعتقال سياسي في السنوات الماضية كالتي حدثت في عام 2022م، إذ صعَّدت فيه السلطة حملاتها الأمنية تصعيدًا غير مسبوق، فبلغت أعداد الاعتقالات قرابة 1200 حالة اعتقال سياسي، إضافة إلى انتهاكات وتعذيب مارستها أجهزة أمن السلطة بحق المواطنين.

اللافت في الاعتقالات السياسية أنها شملت جميع الفئات، فاعتقلت السلطة المحررين والناشطين والصحفيين والنساء وحتى الأطفال القصَّر.

ولم تخلُ عملية الاعتقال من اقتحام منازل، ومحال المواطنين، وترويع الأطفال، والاعتداء على النساء لحظة اعتقال آبائهم، أو أشقائهم، أو أزواجهم، كحادثة دهس الشابة رنين الهور (22 عامًا) يوم 13 ديسمبر الجاري بحافلة السلطة في أثناء اعتقال والدها وشقيقها، ما أدى لإصابتها بتمزُّق في القدم وما زالت طريحة الفراش.

اقرأ أيضاً: محامون من أجل العدالة: تسجيل 73 حالة اعتقال سياسي بالضفة

وشهد شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري، أعنف حملات الاعتقال، في ذكرى انطلاقة حركة حماس الـ 35، وسجلت المؤسسات الحقوقية أكثر من 200 حالة اعتقال طالت الكبير والصغير، وشهدت إطلاق نار لحظة الاعتقال، وشملت المحررين وطلبة المدارس والجامعات وممثلي الكتل الإسلامية الطلابية من الجامعات كافة.

من أبرز قضايا الاعتقال السياسي ما يُعرف بقضيَّة "منجرة بيتونيا"، واعتقال المطارد مصعب اشتية في سبتمبر/ أيلول الماضي، وما رافق ذلك من احتجاجات شعبية في نابلس قامت السلطة بقمعها، وأسفرت عن استشهاد المواطن فراس يعيش برصاص أمن السلطة، إضافة إلى اعتقال نحو 30 طالبًا من جامعة "بيرزيت" وحدها، واعتقال عدد من النساء، كان من بينهن ميسون عرار (28 عامًا) من بلدة قراوة بني زيد قضاء رام الله وسط الضفة الغربية لمدة 24 ساعة في آب/ أغسطس الماضي.

منجرة "بيتونيا"

بحسب أسماء هريش، وهي ناشطة حقوقية مطَّلعة على ملف الاعتقال السياسي وشقيقة المعتقل أحمد هريش، فإن قضية المنجرة حدثت في 6 يونيو/ حزيران 2022، بعد حدوث انفجار في المنجرة اعتقلت السلطة 8 أشخاص من ضمنهم صاحب المنجرة، بينهم 7 محررين.

والمعتقلون الستة على خلفية قضية "منجرة بيتونيا"، هم: أحمد هريش، وأحمد خصيب، وجهاد وهدان، وخالد النوابيت ومنذر رحيب، وقسام حمايل.

ونبَّهت هريش لصحيفة "فلسطين" إلى أن اعتقال المحررين الستة استمر 160 يومًا، خاضوا إضرابًا مفتوحًا عن الطعام استمر 47 يومًا انتزعوا فيها حريتهم.

وبينت أن أجهزة أمن السلطة لم تحقق مع المعتقلين حول قضية الانفجار وتبعاته، بل اقتصر التحقيق على انتماءاتهم السياسية، وملفات اعتقالهم لدى الاحتلال، وتوجيه تهمة جنائية لهم، وما زالت جلسات محاكمتهم تُعقد، مشيرةً إلى أن الجلسة القادمة ستعقد بتاريخ 23 يناير/ كانون الثاني.

اقرأ أيضاً: توثيق 70 حالة اعتقال سياسي بالضفة منذ اغتيال نزار بنات

تدلل هريش على أن اعتقال المحررين كان على نشاطهم المقاوم ضد الاحتلال وليس له علاقة بتفجير المنجرة، إذ اعتقل الاحتلال خالد نوابيت بعد الإفراج عنه من معتقلات السلطة بثلاثة أسابيع.

وترى هريش أن مستوى الحريات كان أقل من الصفر، وتضمنه انتهاكات عديدة في أثناء الاعتقال، مؤكدةً أن الاعتقال خدم بالدرجة الأساسية الاحتلال، وسياسة التنسيق الأمني، وكان واضحًا أن الاعتقالات مرتبطة بمقاومة الاحتلال وليس بالحريات، إذ حُقق مع المعتقلين بسبب انتمائهم السياسي، ونشاطهم المقاوم، واعتقالاتهم لدى الاحتلال.

وأوضحت أن أعداد المعتقلين حتى شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حسب الإحصائيات بلغت 1000 حالة اعتقال، يضاف إليها 200 حالة اعتقال في أثناء الحملة الأمنية عشية انطلاقة حركة حماس.

وتدين هريش الاعتقالات السياسية، وما رافقها من انتهاكات، وتعذيب جسدي للمعتقلين وعائلاتهم، وطالبت المؤسسات الحقوقية والدولية بعدم التعامل مع المعتقل السياسي على أنه رقم لتوثيقه، وإنما إنسان قبل كل شيء يجب توفير الحماية له.

وترى أنه لم يكن هناك دور ملموس للمؤسسات الحقوقية المحلية سوى الاقتصار على توثيق حالات الاعتقال الذي لم يتوقف على الرغم من المتابعة الحقوقية، مشددةً على ضرورة وضع سياسة جديدة من تلك المؤسسات، وفضح الاعتقال السياسي وما يتبعه من جرائم تعذيب، وأن تنشر وتفضح ما يتعرض له المعتقلون.

استهداف طلبة "بيرزيت"

واعتصم مجلس طلبة جامعة بيرزيت مدة أسبوعين داخل أسوار الجامعة رفضًا للاعتقال السياسي، بعد تسجيل نحو 30 حالة اعتقال لطلبة الجامعة في أثناء الحملة الأمنية التي شنتها أجهزة أمن السلطة عشية ذكرى انطلاقة حركة حماس.

وقال ممثل الكتلة الإسلامية في جامعة "بيرزيت" إبراهيم بني عودة: "إن الحملة التي شنتها السلطة كان شعارها استهداف طلاب الكتلة الإسلامية، بدأت بالاستدعاءات التي تحولت لاعتقال واختطاف للطلبة، حتى أن أجهزة أمن السلطة لم تُبلغ عائلات بعض الطلبة باعتقالهم، وبعضهم اقتحمت سكنه الجامعي، ومنهم من تعرَّض للضرب".

وأضاف بني عودة لصحيفة "فلسطين" أن السلطة استخدمت سياسة الاعتقال السياسي كي تحجم عمل أبناء الكتلة الإسلامية، لكن الكتلة استمرت بعملها على الرغم من علمها بطبيعة الظروف والمخاطر التي تُحدق بها.

ولفت إلى أن ما شهده عام 2022 خاصة في أثناء الحملة الأمنية الأخيرة لم يحدث من قبل، إذ لم يمر على الكتلة الإسلامية أن وصل عدد الطلبة بين الاستدعاء والتبليغ والاعتقال إلى 50 طالبًا، ولم يحدث اعتقال 20 طالبًا في آنٍ واحد ولدى جهاز أمني واحد.

العودة للصفر

ويعتقد الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي أن السلطة تحاول إرجاع سياسة الاعتقال السياسي لمراحل سابقة، كما حدث في بدايات الانقسام، إذ سجل عام 2022 أعلى نسبة اعتقال سياسي في السنوات الماضية، خاصة في أثناء الحملة الأمنية في ذكرى انطلاقة حركة حماس، وما زال عشرات المعتقلين في سجون السلطة.

وقال عرابي لصحيفة "فلسطين": إنه لا يوجد مشروع سياسي للسلطة المنتهي منذ مدة طويلة، والمفاوضات مع الاحتلال متوقفة منذ عام 2010، وحكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو تؤمن بضم الضفة الغربية، ولديها مشاريع معلنة.

إضافة إلى عدم وجود مشروع سياسي للسلطة، اقتصاديًا هي غير قادرة على دفع رواتب الموظفين كاملة، ولا توجد لديها شرعية انتخابية بعدما ألغت الانتخابات التشريعية والرئاسية التي كانت مقررة في مايو/ أيار 2021. وفق عرابي.

اقرأ أيضاً: قاسم: نفي اشتية وجود اعتقال سياسي بالضفة تكذبه الوقائع اليومية

ولفت إلى أن الاعتقال السياسي يأتي في وقت يتصاعد الانتماء إلى المقاومة وتتعزز صورة المقاومة في غزة بعد معركة "سيف القدس"، ولكن ما دامت السلطة متمسكة بالمسار السياسي فلا يمكنها إلا أن تستند إلى القوة الأمنية لتثبت "جدارتها" للأطراف الدولية؛ لحماية وجودها، وفرض هيبتها، والحد من تصاعد قوى المقاومة في الضفة.

وقال عرابي: "إن الاعتقال وصل إلى مرحلة مظلمة؛ لأننا مقبلون على مواجهة صعبة مع الاحتلال، مع تولِّي الصهيونية الدينية ما تسمى "الإدارة المدنية"، وحزب "القوة اليهودية" الوزارة المسماة "الأمن القومي"، الأمر الذي يعني مزيدًا من القتل وهدم البيوت واقتحام الأقصى، والاحتكاك".

مع ذلك تستمر السلطة في نهجها، واصفًا المرحلة بالمظلمة التي تضع السلطة على المحك، محذرًا من أن استمرار هذه السياسات من السلطة مع تعاظم المخاطر الوطنية، قد يجعلها في مواجهة الجماهير.