لم يتحمل قلبها هيئته في أول زيارة له بعد 60 يومًا من مكوثه بالزنزانة التي لاقى فيها أصنافًا من التعذيب، جاء إليها على كرسي متحرك وبجسد هزيل، وحاجز زجاجي يفصل بينهما، ما زاد من كمدها وحزنها لعدم قدرتها على لمسه واحتضانه، لعل العافية تُرد إلى جسده.
تحقيق قاسٍ
ففي السادس من نوفمبر عام 2014 م، اعتقل الاحتلال الإسرائيلي إبراهيم النتشة وعمره لم يتجاوز الـ19 عامًا، تعرض إلى تحقيق وتعذيب قاسٍ هشّم أسنانه، كما تعرض للإهمال الطبي على الرغم من معاناته أمراضًا عدة، وفي عام 2019م أُصيب بحروقٍ في أثناء احتجاجه على جرائم الاحتلال بحق الأسرى، وفي إثرها نقل من سجن النقب إلى جلبوع.
تعود والدته كفاح النتشة بالذاكرة إلى لحظة معرفتها بخبر اعتقال ابنها: "لم أستوعب الأمر في البداية، ثم زادت مخاوفي عندما علمتُ بأنه مصابٌ في رجله".
احتاجت والدته إلى وقت طويل لتتعايش مع غياب "إبراهيم" عن المنزل، خاصة أنه بكرها، ما يجعلها تفتقده في كل وقت، في الجَمعات العائلية، والأعياد والمناسبات، وعندما ترى أقرباءه في مثل عمره قد تزوجوا وأنجبوا.
وتضيف: "بأي قانون يحكم الاحتلال على ابني بالسجن مدة 11 عامًا لمجرد أنه يدافع عن حقه وحق أبناء شعبه في أرضهم ومقدساتهم؟".
وما يزيد الألم والوجع في قلب والدته، وضع ابنها الذي وصفته بـ"المحزن" إذ إنه بفعل تهشُّم أسنانه فقد الكثير من وزنه، لعدم قدرته على الأكل، عدا عن الطعام غير الصحي الذي يقدم له وللأسرى، واعتمادهم على المُعلبات، إضافة للآلام التي يعانيها في رأسه وقدمه، وأجزاء من جسده، ولا تُقدم له إلا المُسكِّنات.
إهمال طبي
يُشار إلى أن الأسير المقدسي إبراهيم النتشة دخل عامه التاسع على التوالي داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، من أصل حكمه الذي يصل إلى 11 عامًا، بتهمة الدفاع عن المسجد الأقصى، والتصدي لمقتحميه من المستوطنين.
وتتابع النتشة لصحيفة "فلسطين": "يوجد في جسد إبراهيم 17 أثرًا لرصاص "التوتو" الإسرائيلي التي باتت تؤثر في صحته، ولم يتمكن من ممارسة حياته ممارسة طبيعية، بسبب الأوجاع في جسمه ومعدته، والتي تضاعفت بسياسة الإهمال الطبي"، وعبرت عن صدمتها لدى رؤيتها ابنها بعد خسارة وزنه".
وتشير إلى أنها ممنوعة من زيارة ابنها مدة عام كامل بسبب دفاعها عن نفسها بعد اعتداء المستوطنين عليها، لتعتقل يومًا واحدًا، ويصدر قرار بإبعادها عن البلدة القديمة والأقصى مدة شهر، إضافة إلى غرامة مالية.
وتصمت قبل حديثها عن هذا اليوم: "لقد كان يومًا صعبًا، فيه من الذل والإهانة، والعذاب النفسي الذي يحاول الجنود ممارسته بحق المعتقل، والسخرية منه، فكيف استطاع إبراهيم تحمل 60 يومًا في الزنزانة والتحقيق؟" وفق قول النتشة.
وسمح الاحتلال قبل سنوات لأهالي الأسرى الذين بلغوا 50 عامًا فما فوق بالدخول إلى أبنائهم واحتضانهم لمدة لا تزيد على ثلاث دقائق، تسرد: "لم أكن قد بلغتُ السن المطلوبة، وهويتي لم تكن معي، فادَّعيتُ أنني قد تجاوزتُ هذا العمر، فتمكنتُ من احتضان ابني بعد 5 سنوات من الاعتقال، بكيت كثيرًا، وكانت لحظة جميلة ومؤلمة بالوقت ذاته".
في حين بيَّن والده علي النتشة أن إبراهيم كان مولعًا بحب الوطن والدفاع عن قضاياه، لدرجة أن نشاطه النضالي أثر في تعليمه، واضطررتُ لنقله من المدارس الحكومية إلى الخاصة، ثم علّمته مهنة دهانة السيارات.
ويصفه بأنه يتميز بالجرأة في الدفاع عن الحق، كما أنه مثابر، فقد تمكن من استكمال تعليمه في مدة أسره والحصول على شهادة الثانوية العامة.
والدة إبراهيم تنتظر مرور ما تبقى من محكوميته بفارغ الصبر، ليعود إليها ويرتمي بين أحضانها، خاصة أنها قد سبق وتعرضت للإصابة بجلطة وأجريت لها عملية جراحية، فلديها مخاوف من أن تفقد حياتها قبل رؤية ابنها حرًا طليقًا.