كشفت وثائق سرّية، تفاصيل ما تحدثت به قيادات من السلطة وحركة فتح للجنة التحقيق التي تم تشكيلها برئاسة اللواء توفيق الطيراوي في أكتوبر 2010.
وتشير الوثائق المسربة التي حصلت عليها وكالة الصحافة الفلسطينية (صفا)، وهي عبارة عن "نسخ من محاضر التحقيق مع شخصيات رفيعة في السلطة الفلسطينية في ملف اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات"، أن الطيراوي أصدر في الأول من نوفمبر الماضي بيانًا أكد فيه أن وثائق تحقيق تتعلق بوفاة عرفات "تمت قرصنتها وتسريبها".
وشدد الطيراوي على أن تلك الوثائق "سرية لضمان سلامة سير التحقيق، إلى حين الوصول إلى الحقيقة الكاملة" المتعلقة بأسباب وفاة عرفات.
وتوفي "أبو عمار" في مشفى باريس العسكري في 11 نوفمبر 2004 بعد فترة من الحصار الذي نفذه الاحتلال الإسرائيلي على المقاطعة برام الله، فيما تم تشكيل لجنة التحقيق بعد مرور ست سنوات على اغتياله.
وكانت قناة الجزيرة كشفت في تحقيق استقصائي لها عن إمكانية وفاة عرفات بمادة البولونيوم المشعة.
وتكشف الوثيقة الجديدة إفادة مسؤول سعيد محمود علان زهران الشهير ب"أبو السعود" مدير العلاقات العامة في مكتب الرئيس الراحل ياسر عرفات ومن أكثر الشخصيات المقربة منه، وتحتوي إفادته على معلومات مهمة.
ويقول أبو السعود في شهادته: "لدي أصدقاء أطباء (جمال الطريفي ورياض مشعل) وقلت لهم لدي مخاوف بأن يكون أبو عمار مسموم فأجابوا من الذي سيقوم بتسميمه سوى أنت ورمزي خوري؟، فطلبت منهم القدوم إليه وتناول العشاء معه تلك الليلة فكانت ردة فعلهم أن أبو عمار شخص كبير في السن".
للإطلاع على تفاصيل الوثيقة:انقر هنا
كما تفيد شهادته بأنه في بداية شهر رمضان من العام 2004 بدأ الإعياء يظهر على عرفات، وتم استدعاء طبيبين تونسيين (أحدهما كان مستشارًا للرئيس التونسي زين العابدين) وكانت نتائج تحليل دمه غير مرضية، وفي اليوم التالي بدأت شرايين وجهه بالإحمرار ثم دخل في أول غيبوبة وكانت مدتها ساعتين وتدخل زين العابدين وأيضا الفرنسيين وذهبنا إلى باريس.
وعندما سأل أبو السعود عن حالة الرئيس أجابه الطبيب التونسي: "إذا تعدى هذه المرحلة سيصبح من الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة"، مستدركاً: "وعقب وفاة الرئيس حدثت مشكلة مع زوجته ولم يذهب معها إلى القاهرة بنفس الطائرة، واتصل به فخري دلول وقال ابتعد عن سهى لأنها تستطيع أن تضعك بالسجن، وعاد مع أبو مازن.
ويرفض أبو السعود فرضية تسميم الرئيس من الفئة المحيطة به قائلا: دائما كان أبو عمار يقول أمن نفسك ولم يكن من الشخصيات المرنة بالتعاطي مع الآخرين بالنسبة لحياته، لذلك استحالة أن يكون هنالك شخص من المتواجدين قام بتسميمه، لأن أبو عمار لم يتسمم من معدته وأنا لا يوجد لدي إلا رواية واحدة وهي عندما قام بتقبيل يد ولد من الأولاد.
وسرد أبو السعود موقفا مهمًا في حلقة التحقيق عندما قال: إن "خالد إسلام اتصل بعمري شارون (شخص مرتشي) خلال تواجده بباريس وقال له: أعطيك عشرة ملايين دولار وقل لي مضاد السم، فأجاب سأقوم بالاتصال بك لكنه لم يفعل".
ويعزو اتصال سلام بعمري شارون لأنه تاجر وكان يريد أن يستخدمه كواسطة ورشوة، مؤكداً أن هذا الحديث سمعه من الوفد المرافق للرئيس في باريس، وكان كل من محمد دحلان ونبيل أبو ردينة.
ويضيف أبو السعود في شهادته: ليس لي علاقة بالطب، لكن في آخر أربعة أيام للرئيس كان واضحًا أنه تسمم، فشرايين عيناه كانت حمراء، ووصل وزنه إلى 24 كيلوغرامًا، وعندما رآه احمد قريع أغمى عليه قال عرفته من لحيته.
وبرر أبو السعود تغيير المجموعة التي كانت حول عرفات في عهد أبو مازن بالقول: الاتفاق كان على تغيير المجموعة، وتوسط لنبيل أبو ردينة شخصين من الكونغرس للبقاء لكن لم يفلح، وكذلك رمزي خوري أدخل أكثر من واسطة من أجل بقائه لكن الشرط كان ألا يبقى في الوطن.
ووصف مدير العلاقات العامة، علاقة رمزي خوري بالرئيس بغير الجدية، وإنما كان جديا من ناحية الاستفادة من أبو عمار قدر المستطاع.
وعلق على وصول ثروة عدد من أصحاب الدائرة الأولى حول عرفات لأكثر من مليون دولار بالقول: هؤلاء وصلوا لها عن طريق سرقة أبو عمار، فهو لم يكن يهدي المال بل يقدم مساعدات، وكانت أيضًا عن طريق الرشاوى، فمثلا عيسى رزقي المصري كان يريد تصريح لطابق آخر للبناية، فأرسل لي رسالة أنه يريد تصريح مقابل مئة ألف، فرفضت ذلك، لكن فايز قام باستخراج تصريح له.
وبحسب أبو السعود فإنه في إحدى المرات قام الرئيس بسؤال رمزي خوري عن 16 مليون، فكان رده أنه تم صرفهم وهنا انتهى الحديث، مستبعداً أن يكون للمال علاقة بسم الرئيس، وقال: "من يريد أن يقتله إما شخص غريب أو حاقد أو سياسياً".
ورفض اتهام خالد سلام بقتل أبو عمار تحت بند الطمع السياسي والنفوذ، لكنه شك بأنه كان جاسوسًا ل"إسرائيل"، لأنه بعد أوسلو وصل للبلاد عن طريق المطار، فيما البقية وصلت عبر معبر رفح.
ويعتقد أبو السعود أن أبو عمار صنع بداية دحلان، وفتح له جميع الأبواب وخطوط مع الأمريكان والإسرائيليين.
ونفى أن يكون قد جلب كيكة في عيد ميلاد أبو عمار الأخير في شهر أغسطس عام 2004، لكن محضر التحقيق كتبت بداخله ملاحظة بأن الصورة التي نشرها أبو السعود عبر حسابه على "فيس بوك" وهو يحتفل بعيد ميلاد أبو عمار تثبت كذبه أمام لجنة التحقيق.