لا بد لنا من الإعداد والاستعداد لنقطة اللاعودة بقدوم اليمين المتطرف بقيادة وزعامة نتنياهو الذي عاد يتصدر المشهد في كيان الاحتلال الإسرائيلي من جديد. بالتأكيد هي عودة غير محمودة؛ لأنها تحمل في طياتها خطراً يهدد المنطقة برمتها، والذهاب بها نحو التصعيد والمجهول في ظل حكومته الأكثر تطرفاً من سابقاتها. عودة لكرسي ومنصب رئاسة الحكومة جعلت نتنياهو يضحي بكل شيء من خلال تنازلاته للأحزاب اليمينية المتطرفة في مقابل عودته لهذا الموقع، ومن المتوقع في ظل هذه التنازلات أن يظهر في المرحلة القادمة في كونه مجرد دمية في أيدي تلك الأحزاب المتطرفة التي تشكل منها الائتلاف الحالي، إذ يصعب عليه كبح جماحهم ونزعتهم العدوانية تجاه أبناء شعبنا الفلسطيني.
لكنها في السياق ذاته، ومن باب آخر ستجعل الخيارات والمسار والسلوك السياسي الذي ينتهجه نتنياهو والحكومة الإسرائيلية الجديدة محصورا بين مسارين أو خيارين لا ثالث لهما، إذ سيجد نفسه مضطراً ومرغماً على سلوك أحد هذين المسارين: المسار الأول وهو المرجح حدوثه هو التساوق والانسجام التام بين مكونات الحكومة الإسرائيلية الجديدة، لكونها يمينية متطرفة، وإفراغ الأزمة الداخلية الإسرائيلية، والإلقاء بها ومحاولة اجتيازها من خلال الهروب منها بالضغط على الجانب الفلسطيني لكونه الطرف الأضعف وفقاً للرؤية الإسرائيلية، ما يعني تصعيد الأنشطة العنصرية والمتطرفة، وازدياد العنف، وارتكاب المزيد من الجرائم ضد الفلسطينيين، وجرهم إلى مربع التصعيد لخلق وإيجاد مبررات واهية لشرعنة تلك الاعتداءات. هذا النهج التصعيدي سيخلق بالتأكيد أزمات كبيرة للاحتلال على المستوى الإقليمي وأزمات محدودة على المستوى الدولي مرشحة للصعود. على مستوى الإقليم ستجد المملكة الأردنية الهاشمية نفسها تقف أمام اتخاذ قرارات وخطوات مهمة جداً في ظل الأخطار التي تحدق بالمسجد الأقصى المبارك في وجود هذه الحكومة الاسرائيلية المتطرفة التي تهدد بالمس بالمقدسات، ما سيخلق حالة من التوتر الشديد بين المملكة وكيان الاحتلال.
وفيما يتعلق بالشأن الإيراني فالأمور مرشحة للتصعيد، أما على المستوى الدولي وعلى الرغم من احتمالية حدوث أزمات وبشكل خاص مع الإدارة الأمريكية نتيجة للسلوك السياسي المتوقع للحكومة الإسرائيلية المتطرفة فإنها ستبقى أزمات محدودة مرشحة للتصاعد ببطء شديد كالإدانات العلنية على الأغلب لانحياز الإدارات الأمريكية المتلاحقة لكيان الاحتلال. المسار الثاني احتمالية حدوثه صعبة وتكاد تكون مستحيلة لكنها احتمالية واردة جداً، وهي إما إنهاء حياته السياسية من خلال تقديمه استقالته من رئاسة الحكومة الإسرائيلية وإما من خلال انهيار الائتلاف الحاكم نتيجة لتلك التطورات. إن المطلوب فلسطينياً من أجل مواجهة هذه الحكومة المتطرفة هو الاندفاع باتجاه استخدام القوة الناعمة دونما تردد على جميع المستويات الخارجية والداخلية.
على المستوى الخارجي من خلال التوجه لمحكمة الجنايات الدولية بعد دراسة التبعات القانونية المترتبة على الجانب الفلسطيني للانضمام إليها، وعلى المستوى الداخلي يجب تعزيز وتدعيم القوة الناعمة من خلال العمل على تعزيز القوة الفلسطينية البديهية، وهي:
أولاً: تذليل كل العقبات والمعوقات من أجل إتمام المصالحة الفلسطينية، فالتاريخ لن يرحم أحدا.
ثانياً: العمل على إصلاح النظام السياسي الفلسطيني بشكل عام، وفي مقدمته محاربة الفساد، ولا بد أن يكون هذا الأمر من ضمن الأولويات. هنا لا بد لنا من التنبيه أيضاً إلى أن إصلاح النظام السياسي الفلسطيني يتطلب إجراء انتخابات فلسطينية عامة، وفي ظل عدم سماح الجانب الإسرائيلي بإجرائها في مدينة القدس لا بد من التوافق والاتفاق الفلسطيني وتجاوز هذا الأمر داخلياً فالمصلحة الوطنية تتطلب ذلك.
إن معززات ومدعمات القوة الفلسطينية الناعمة تعد رافعة للحالة الفلسطينية، إذ تمكننا وتهيئنا لاتخاذ أي خطوة بكل أريحية. في السياق ذاته لا بد لنا من التنبيه والتفرقة بين التوجه والاندفاع نحو استخدام القوة الناعمة وتبنيها خياراً فلسطينياً مرحلياً أو حالة قد فرضت نفسها على الساحة الفلسطينية عنوة لأسباب معنوية. إن حالة القوة تكون ضد حالة الضعف والهوان، وهذا ما يجب أن تكون عليه الحالة الفلسطينية في تبنيها القوة الناعمة خياراً فلسطينياً خالصاً لم ولن يهمل إسقاط استخدام القوة الصلبة.
لكن إذا تبين أن التوجه لاستخدام القوة الناعمة حالة قسرية أرغمتنا الظروف على تبنيها فهذا يعد انكساراً وتخاذلاً، وهذا الأمر مستبعد كل البعد، لكن الإعلام الإسرائيلي يسعى جاهداً لترويج وتغذية هذه الصورة ويلعب على هذا الوتر الحساس من أجل إفراغ الحالة النضالية الفلسطينية من محتواها النضالي وزرع بذور الهزيمة في الشخصية الفلسطينية، وهذا ما لن يكون أبدا.