قائمة الموقع

حرم "وادي السلقا".. الاحتلال يحوّلها إلى منطقة منكوبة

2022-12-26T11:24:00+02:00
مشهد من تأثر انجراف التربة من وادي السلقا جراء فتح الاحتلال لسدود مياه الأمطار (تصوير: محمود أبو حصيرة)

يقف المواطن ماهر أبو بليمة على تلة ترابية مرتفعة يقع عليها منزله، يُعاين بحسرةٍ آثار الكارثة التي لحقت بأرضه، وأدت إلى تكسر المحاصيل، وتحولها إلى مستنقع من الطين، قرب مجرى "وادي غزة" بمنطقة "وادي السلقا" شرق مدينة دير البلح وسط قطاع غزة.

عند ساعات مغرب أول من أمس، تأثر قطاع غزة بمنخفض جوي، فتجمع أبو بليمة مع أطفاله داخل كوخ من النايلون يطلق عليه سكان المنطقة اسم "خص"، تلحفوا دفء موقد "النار"، واحتسوا أكواب الشاي.

في الخارج، كان سكون الليل يفترش المنطقة الشرقية الملاصقة للسياج الفاصل مع أراضي عام 48، قبل أن تصل إليهم أصوات تحذيرات الجيران من الكارثة: "فتحوا الوادي.. اليهود فتحوا الوادي"، سرعان ما وقفوا أمام تدفق ملايين من أكواب المياه التي أرسلها الاحتلال بعد فتح سدود وعبّارات تجميع المياه.


 

يشير أبو بليمة بيده إلى منطقة جريان المياه القادمة من جهة السياج شرقًا، تجري من مدخل فمه أيضًا تفاصيل ليلة صعبة عاشها السكان هنا، يروي تفاصيلها لصحيفة "فلسطين" التي زارت المنطقة أمس، وعايشت المأساة من كثب: "رأيت المياه تندفع بسرعة بعد فتح الاحتلال السدود، وأصبحت بارتفاع شجر الصبر نحو مترين تحاصر منازلنا".

يتجه بنظره إلى الأسفل، يتوقف عند بيت من "الزينكو" مخصص لحماره، الذي كان على وشك الموت قبل أن يخاطر أبو بليمة لإنقاذه بنفسه: "تمكنت من الوصول إليه وسحبه من الجهة الأخرى، ثم تحولت المنطقة أسفل المنزل لبركة مياه بعمق أربعة أمتار، ما يمثل خطرًا علينا، فأخذت أطفالي الستة، وهربنا من المنطقة تحت زخات المطر".


 

حافية القدمين تتجول طفلته حلا (12 عامًا) التي لم تعثر على حذائها في المكان، بملابس وشعر مبتل بالمياه تحاول بابتسامة لم تفارقها تجاهُل ما يجري حولها، تصف ما حدث بعفوية وهي تخبئ ابتسامتها وراء يديها من الخجل للتحدث أمام الكاميرا: "خفنا كتير من اللي صار، كانت المية كتير عالية".

تدفق غير مسبوق

اعتاد السكان على حافتي مجرى الوادي كل عام في أثناء سقوط الأمطار على ارتفاع منسوب المياه بالمجرى لنحو نصف متر فقط، لكن ارتفاعها حسب إفادتهم لـ"فلسطين"، بلغ مترين، ما أدى إلى غرق الأراضي والمنازل.

في لحظةٍ كانت تهاني أبو خوصة تغط في نومها مع أطفالها الأربعة في منزلها القريب من حافة الوادي، استيقظت على صوت قرع شقيقها باب منزلها يطلب منها المغادرة، فحملت أطفالها هي وزوجها وأخوها وغادروا المنطقة.


 

عادت في الصباح لتجد المنزل تغيَّر تمامًا كأنه ليس منزلها، في الداخل الطين يغطي كل غرف المنزل، تعبأت الفرشات والملاءات والملابس بالمياه الممزوجة بالرمال والطين.

لم يكن سهلاً دخولنا منزلها المسقوف بـــــ "الزينكو"، فالوصول إليه تطلب السير فوق مستنقع من الطين عدة أمتار، وتحمل طفلها بين زراعيها تحاول منحه الدفء التي لم تجده لنفسها.

فتقف حافية القدمين وسط المنزل تحاول تهيئة مكان للأطفال، لكنها لا تعرف من أين تبدأ العمل، تشارك صحيفة "فلسطين" همها وهي ترفع الفرشات وملابس أطفالها من تحت المياه فتتهاوى منها قطرات المياه، قائلة: "كما ترى كل شيء غرق، المنزل تحول إلى بركة من المياه والطين، عندما عدت وشاهدت هذا المشهد لأول مرة بكيت من شدة الصدمة فلم يسبق أن عشنا هذا الأمر".

تحت حصار المياه

وإن استطاعت تلك السيدة الهرب مع أبنائها من باب المنزل، فإن جارتها إيمان أبو خوصة، حين فتحت الباب تهم بالخروج مع أطفالها، اصطدمت بارتفاع منسوب المياه وسرعة تدفقها.


 

بملامح شاحبة، ترتدي ثوب صلاة مبتل بالمياه تعيد رواية الحدث لصحيفة "فلسطين"، وهي تقف فوق بقعة مياه كبيرة تغمر صالون منزلها: "بقينا محاصرين عدة ساعات، وكانت المياه تتدفق بشدة، فحملت أطفالي واستطعت مع زوجي، وبمساعدة الجيران الخروج من النافذة".

تفتح الباب لكلماتها الغاضبة لمغادرة فمها محملة الاحتلال المسؤولية عما جرى وتتساءل بقهر: "كيف يفتح علينا العبّارات، ونركض في الليل وسط البرد مع الأطفال؟ في أي قانون يحدث هذا بأن نبقى طوال الليل نلتحف السماء في البرد القارس؟ ارتجفتُ من شدة البرد فكيف الأطفال؟".

لم يقتصر الأمر على غرق منزلها، فقد اختفت غسالتها، و4 من الماعز كانت مصدر دخل للعائلة.


 

يسير معين أبو بليمة على رمال مجرى الوادي، ينظر حوله إلى المنطقة التي تعيش فيها نحو 50 عائلة وتغيرت بلمح البصر، عاد فرع مجرى الوادي بهذه المنطقة لطبيعته خاليًا من المياه، لكن المنازل والأراضي المتضررة لم تعد لطبيعتها.

مدير دائرة خدمات المزارعين بوزارة الزراعة في المحافظة الوسطى أشرف أبو سويرح، حمَّل الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية الكارثة نتيجة فتح السدود وعبّارات المياه التي أغرق بها وادي "السلقا".

وقال أبو سويرح لصحيفة "فلسطين": إن كميات المياه التي أغرقت المنطقة تقدر بملايين الأكواب، أدت إلى غرق المحاصيل الزراعية، وأحدثت أضرارًا بالثروة الحيوانية، وأثرت سلبيًا في الكثير من النواحي.

ولفت إلى أن الاحتلال فتح السدود بلا سابق إنذار ولم يوجه رسالة إلى سكان القطاع، ما أثر سلبيًا في المنتجات الزراعية والمحاصيل الحقلية.

ومع بداية كل عام وموسم شتاء يتكبد المزارعون خسائر كبيرة، نتيجة فتح الاحتلال عبارات مياه الأمطار شرق مدينة غزة وبيت حانون، وهو ما يتسبب بغرق وإتلاف محاصيل المزارعين.

اخبار ذات صلة