يمثل الشباب خُمس المجتمع الفلسطيني، لكن المجتمع الفتيَّ الذي يُنظر إليه أنه خزان إستراتيجي على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، يرزح تحت جُدر عدة تعيق طموحه.
وعلى الرغم من محاولات هذه الفئة للخروج من عنق الزجاجة عبر نافذة ريادة الأعمال، تبقى تلك الطاقات عنوانًا يشار إليه بالبنان عند الحديث عن معدلات البطالة والبحث عن أفق عيش في الخارج، وتأخر سن الزواج، وغيرها من مؤشرات التنمية المجتمعية.
مؤشرات واقع الشباب
يقول رئيس الهيئة العامة للشباب والثقافة بغزة أحمد محيسن: إن الهيئة أنفقت في عام 2022 مليونًا ونصف المليون دولار لدعم المشاريع الصغيرة والزواج، إلى جانب نصف مليون أخرى للقروض الحسنة، "في إطار خطة إستراتيجية للنهوض بواقع الشباب في قطاع غزة، تتضمن الكثير من المعالجات لواقع الشباب في مجال الإسكان، والتعليم، والصحة، والعمل عن بعد عن طريق إنشاء حاضنات الابتكار".
ويقر محيسن لـ"فلسطين" بالواقع الصعب الذي يعيشه الشباب والخريجون؛ بسبب البطالة وانعدام فرص العمل لظروف سياسية سببها الاحتلال الإسرائيلي، مشيرًا في الوقت ذاته إلى مساعي الهيئة لفتح قنوات تواصل بين المراكز الشبابية والمؤسسات الدولية؛ من أجل جلب الدعم والتمويل.
ويقول: إن هذه المراكز أصبحت أشبه بحاضنات للعمل الشبابي الفلسطيني؛ بهدف الصعود بالمشاريع الشبابية ضمن الأولويات الرئيسية للجنة متابعة العمل الحكومي.
وحسب إحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء عن واقع الشباب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة في عام 2022م، يوجد مليون ومائة وسبعون ألف شاب وشابة تتراوح أعمارهم بين (18-29 سنة)، منهم (22.2%) في الضفة، و(21.5%) في القطاع.
وتفيد الإحصائية بأن الشباب يمثلون أكثر من خُمس المجتمع الفلسطيني (22%)، في حين بلغت نسبة النوع بين الشباب 105 شباب لكل 100 شابة.
وبحسب المعطيات تمثل البطالة التحدي الأكبر أمام الشباب، إذ بلغت 62% بين الإناث، و33% بين الذكور، وكانت الأعلى في قطاع غزة مقارنة بالضفة الغربية؛ 65% و24% على الترتيب. وسُجلت أعلى معدلات للبطالة بين الشباب في العمر 18-29 سنة بين الخريجين، منهم من حملة الدبلوم المتوسط فأعلى 53%، بفرق واضح بين الشباب الذكور والإناث، 39% للذكور و66% للإناث.
ويؤكد محيسن أن ضعف الموارد المالية المعزو إلى استمرار الحصار الإسرائيلي هي السبب الرئيس في تفشي البطالة.
ريادة الأعمال
في المقابل برز في السنوات الأخيرة اهتمام متزايد بريادة الأعمال والابتكار في فلسطين، وباتت تتسع قطاعاتها لتضم العديد من البرامج، جزء من هذه القطاعات بقيت في أغلبيتها رهينة التجريب أو المحاكاة لنماذج أخرى عربية أو دولية، وأخرى اعتمدت على الإبداع خارج الصندوق، يقول المدرب في ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة عدي قباجة من رام الله.
ويضيف: "هناك توجه عالمي نحو الاستقلالية لفئة الشباب عن طريق البحث عن مشاريع ريادية، بعيدًا عن الوظائف التقليدية".
ويلفت قباجة لـ"فلسطين" إلى أن قطاع ريادة الأعمال يواجه العديد من التحديات، أهمها: عدم تمييز الشباب بين ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، والافتقار إلى البرامج الريادية، التي تعلم الشباب كيفية خلق فكرة إبداعية.
ويصف بيئة ريادة الأعمال الفلسطينية بأنها "هشة وضعيفة، إذ لا يوجد بنية تحتية لريادة الأعمال، ولا حدود برية، ولا جوية، ولا بحرية لفتح أفق نحو الاستثمار بها، ما يجعل من الظروف السياسية والاقتصادية "مقبرة" لأي مشاريع ريادية، وحتى المتوسطة والصغيرة التي يمكن أن يتجه الشباب إليها مع ارتفاع نسبة البطالة.
ويبين أن القطاع الحكومي والخاص لا يوجهون استثماراتهم في قطاع ريادة الأعمال لخلق فرص عمل للشباب، وتقليل نسبة البطالة.
ويوضح قباجة أن فلسطين تفتقر للأراضي الخصبة لإنجاح المشاريع الريادية، منها: توافر مراكز الأبحاث والدراسات التي تكون مدد للشباب، فضلا عن المختبرات التطبيقية.
وينبه على أن النظام التعليمي، والسياسي، والاقتصادي غير مشجع للاستثمار، ولا يدفع الشباب نحو المغامرة في تكثيف جهده في مشروع ريادي، والمعظم يتجه نحو البحث عن الأمان المتمثل في وظيفة تضمن لهم راتبًا دوريًا.
ويشدد قباجة على أن ريادة الأعمال تحتاج إلى تكاتف حقيقي من القطاع الخاص والحكومي؛ لخلق فرص استثمارية لطاقات الشباب.
وطالب بإنشاء صندوق استثمار ريادي، تشارك فيه المؤسسات الحكومية، والخاصة، والأهلية؛ لدعم المشاريع الريادية الشبابية.
ويختم حديثه بتوجيه رسالة إلى الشباب الفلسطيني: "نعيش في ظروف استثنائية، لذا مطلوب من الشباب جهود استثنائية تأتي بالتسلح أكثر بالمهارات، والمعرفة، وخوض تجارب عدة؛ من أجل خلق العديد من الأفكار الرائدة بعيدًا عن التقليد".