يعتري القلق قلب المواطنة صبحية كيوان على ابنها القاصر محمود، الذي زجّ الاحتلال الإسرائيلي به في سجونه مؤخرًا، بعد استشهاد شقيقه محمد.
انقلبت حياة عائلة تركمان في مدينة جنين رأسًا على عقب بعد استشهاد محمد (17 عامًا) في إثر إصابته بعيار ناري أطلقه جيش الاحتلال في الأغوار بزعمه محاولة تنفيذ عملية فدائية، في حين بقي والده مطاردًا. اعتقل الشقيق محمود (15 عامًا) في 27 من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بعد عدة جلسات للاستجواب الأمني.
يقبع محمود حاليًّا في سجن الجلمة، وتُوجَّه إليه "تهمة" المشاركة في تنفيذ العملية، التي قد تعني بقاءه في السجن لأمدٍ غير معلوم.
تشعر كيوان بالأسى على مستقبل محمود، الذي اعتقل من بيته دون أن يرتكب أيّ جرم، "لكنّ الاحتلال صمم على إقحامه في أمر لا يعلم عنه شيئًا، ويواجه مصيرًا مجهولًا".
وحتى اليوم لم تتمكن كيوان من زيارة ابنها، تخشى أن يكون قد آذى التعذيب جسده، "هم لا يفرقون بين صغير وكبير"، مشيرة إلى أنّ التهمة الموجهة لمحمود قد تُوقع عليه حكمًا كبيرًا كما حدث مع الأسير أحمد مناصرة.
وتتابع: "لقد حُرمت من ابني محمد الذي ارتقى شهيدًا، واليوم يحرمونني من محمود باعتقاله ونحن لا نعلم عن ظروف اعتقاله شيئًا، في حين زوجي مختفٍ عن الأنظار ولا نعلم عنه شيئًا ولا ندري ماذا سيكون مصيره، فقد يُعتقل أو يستشهد".
ولم يطل الأمر فقط بيت صبحية بل تعدّاه لاعتقال الاحتلال ابن عمة أبنائها "حسن تركمان، فمنذ شهرين ونحن نتعرض لاقتحامات همجية لبيوت العائلة واعتقالات متكررة لأبنائنا القُصّر".
وتلقَّي قصة أطفال عائلة كيوان الضوء على واقع الأطفال الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة.
وتشير معطيات نادي الأسير إلى أنّ نحو 6 آلاف حالة اعتقال سُجّلت منذ مطلع العام الجاري على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي، منها 141 امرأة، و739 طفلًا.
الحق في الحياة
مدير برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال عايد أبو قطيش يؤكد أنّ عام ٢٠٢٢ لم يكن سهلًا على الأطفال الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، إذ شهد اعتداءات وانتهاكات جسيمة من قِبل الاحتلال الإسرائيلي لحقوقهم.
وأوضح أنّ الاعتداء الأكبر كان على حقّ الأطفال بالحياة والحرية إلى جانب الحقوق الأخرى، بما يُخالف اتفاقية حقوق الطفل الدولية مخالفةً واضحة.
ولفت إلى أنّ المنظمة رصدت قتل قوات الاحتلال ٣٤ طفلًا من الضفة الغربية، و17 طفلًا آخر في عدوانها على غزة في أغسطس/ آب الماضي.
وأشار إلى إقرار سلطات الاحتلال قوانين تستهدف الأطفال، منها قانون يتيح محاكمة الأطفال دون (14) عامًا، وآخر لرفع الأحكام بحقّ الأطفال راشقي الحجارة، وتوسيع اللجوء إلى فرض "الحبس المنزلي" عليهم.
ونبّه إلى أنّ استهداف وقتل الأطفال ليس أمرًا مستحدثًا بالنسبة للاحتلال، لكنّ استمراره بهذه السياسة كلّ تلك السنوات يرجع لغياب المساءلة الدولية له على الجرائم التي يرتكبها.
وفي الوقت ذاته يقول أبو قطيش: إنّ الاحتلال لا يكتفي باعتقال الأطفال الفلسطينيين، بل يُخضعهم للتعذيب ويُسيء معاملتهم ويستخدم بحقّهم وسائل ضغط تدفعهم للانهيار من أجل انتزاع اعترافات يستخدمها دليل إدانة بحقّهم أمام المحاكم العسكرية.
ويضيف أنّ الإحصاءات والشهادات المُوثّقة للمعتقلين الأطفال، تؤكد تعرض الغالبية منهم لشكل أو أكثر من أشكال التعذيب الجسدي والنفسي، في جملة من الأدوات والأساليب الممنهجة المُنافية للقوانين والأعراف الدولية، والاتفاقيات الخاصة بحقوق الطفل.
حقوق مسلوبة
في حين يلفت أبو قطيش إلى أنّ الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة يُمعن في انتهاك حقوق الأطفال فيها وبشكل أساسي الحقّ في الحياة الآمنة، إذ فقد القطاع المئات من أطفاله بسبب العدوانات والقصف المتكرر للمناطق السكنية، في حين فقد العديد منهم حياته بسبب الحرمان من العلاج.
ويقول: إنّ الأطفال في غزة تمتلئ ذاكرتهم بالصدمات النفسية التي عاشوها، وليس لديهم الفرصة للتعافي منها تمامًا بسبب الفارق الزمني المحدود بين الهجمات العدوانية على غزة، مشيرًا إلى معطيات المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان التي قال فيها: إنّ 9 من بين كلّ 10 أطفال في قطاع غزة يعانون أحد أنواع "الصدمة المتصلة" بالنزاع.
من جانب آخر، يقول أبو قطيش: إنّ حصار غزة الممتد منذ 16 عامًا، ألقى بظلال قاسية على واقع عمالة الأطفال؛ لصعوبة الظرف الاقتصادي والمعيشي أو لفقدان الأسرة لمُعيلها بسبب العدوانات على غزة، فبات الأطفال في غزة جزءًا من منظومة العمل، تجدهم على الطرقات ومفترقات الشوارع الرئيسة يبيعون الحلويات، أو يقدمون خدمات النظافة في المطاعم أو في الأعمال الزراعية، وغيرها من الأماكن.
ووفقًا لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء، انخرط في غزة ما يزيد على 10 آلاف طفلٍ من أصل 900 ألف، تتراوح أعمارهم بين 10 و17 سنة، في أعمال بدوام كامل، وإضافة إلى ذلك هناك 3 آلاف طفل من الفئة العمرية ذاتها يعملون في أثناء التحاقهم بالمدارس. وعلى وجه العموم، يُشكّل ذلك ما نسبته 3% من أطفال غزة.