جاءه رجلُ أعمال إسرائيلي من أمريكا، يعرضُ عليه عرضًا جديدًا بعدما رفض المواطن الخليلي عبد الرؤوف المحتسب (62 عامًا) عروض جمعيات استيطانية لبيع متجره ومنزله الواقعين بجوار المسجد الإبراهيمي وسط البلدة القديمة بمدينة الخليل جنوب الضفة الغربية يعيش فيه مع زوجته، وعائلة نجله الوحيد "محمد".
قدم رجل الأعمال "100 مليون دولار" للمحتسب، ومعها ضمانات له: "إذا خايف من حماس، أو الجهاد أو العرب، بنرحلك على أستراليا، وقبل ما تمضي تأكد أنه المصاري في حسابك بالبنك"، فأسمعه جوابًا فوريًّا: "ما ببيع بيتي بكل كنوز الأرض".
توفي المحتسب أمس، وأعاد الكثيرون تداول مواقفه "المشرفة" برفض التنازل عن منزله الذي وصفوه بأنه "أغلى بيت فلسطين".
ظل الحاج المحتسب أمينًا على إرث والده وأجداده، رافضًا التفريط بحجر واحد من بيته للمستوطنين حتى "يلقى الله على ذلك"، كما قال في مقابلة مرئية منشورة له، غارسًا هذا الإرث لدى ابنه الوحيد.
امتد منزله ومتجره على مساحة 700 مترٍ مربع، ولا يفصله عن المسجد الإبراهيمي سوى حاجز عسكري إسرائيلي، كان الحاجز مصدرًا لتنغيص حياته، ومحاصرته داخل منزله ومتجره، إلا أنه تحمل الحصار والمعاناة لأجل الثبات والرباط.
في مقابلةٍ مرئيةٍ سابقة معه، قال المحتسب عن رفض بيع منزله بالمبلغ "الخيالي": "آخر ما نفكر فيه المال، هذه أرضنا وعرضنا ووطننا، لا نبدلها بكنوز الأرض".
وأضاف في إجابته التي جدد فيها تمسكه بمنزله: "صحيح ربما المبلغ مغرٍ، لكنه يغري الإنسان غير المستيقظ، فهواء فلسطين بالدنيا كلها".
المتجر الواقع بـ"شارع الشهداء" كان يشهد حركة تجارية كبيرة قبل اندلاع انتفاضة الأقصى، تحول إلى أشبه بمكان خالٍ من جراء سياسة الاحتلال بمنع دخول الفلسطينيين ممن ليسوا من أبناء المنطقة بدخول الشارع، على حين أصر المحتسب على فتح أبواب محله لأجل الرباط.
تحمل المحتسب، لأجل موقفه برفض بيع منزله ومحله، كل أصناف الاعتداءات الإسرائيلية، إذ تعرض محله لاقتحام الجيش والمستوطنين عدة مرات وتخريب محتوياته، مردفًا: "كلمة الثبات أزعجتهم، لكننا نعيش في أرضنا، ونحن مستمرون إلى أن يتغير الحال، آبائي وأجدادي كانوا هنا".
من عروض إسرائيلية بدأت بستة ملايين دولار ثم سبعة ملايين، ثم 30 مليون دولار، حتى وصلت إلى 100 مليون، كلها رفضها المحتسب لأنه يدرك أن "لا قيمة للمال مهما كان ثمنه، أمام التفريط بمنزلٍ ورثه عن أجداده".
وإضافة لمنع الاحتلال أي فلسطيني دخول شارع "الشهداء" بمركباتهم مهما كانت الأسباب، على حين تسمح للمستوطنين بذلك، تحمل المسن المحتسب حمل أغراضه على كتفه والسير مشيًا لنصف كيلو متر، على مغادرة المنطقة وتركها فريسة للاستيطان.
أصناف أخرى من المعاناة، رواها المحتسب نفسه، "إذا أردت الجلوس تحت أشعة الشمس يأتيك الجنود ليمنعوك، نخشى أن نخرج أطفالنا للعب في الساحة، خوفًا من دهسهم بمركبات المستوطنين، ممنوع أن نتجاوز الحاجز، ممنوع أن نفتح أبواب المحل خلال أعيادهم اليهودية، شهدنا إعدامات لأبناء شعبنا أمامنا دون سبب بزعم تنفيذ عملية طعن".
وعلى الرغم من حرصه على الرباط في المسجد الأقصى، فإن الاحتلال ونتيجة مواقفه الصلبة، منعه من الذهاب لمدينة القدس، وظل مرابطًا بجوار المسجد "الإبراهيمي".