"عمل المرأة متجذر في الحركة منذ بداياتها الدعوية والتنظيمية". بهذه الكلمات تؤكد رئيسة الحركة النسائية في حركة المقاومة الإسلامية حماس فاطمة شراب الأهمية التي يحظى بها دور المرأة في صناعة التاريخ، مشيرة إلى أن وجود عضوتيْن من النساء في المكتب السياسي الحالي انعكاسٌ لهذا الدور الكبير.
سبعينيات القرن الماضي
وقالت شراب في حوار خاص مع "فلسطين" بمناسبة الذكرى الخامسة والثلاثين لانطلاقة حماس: "نشأت الحركة النسائية في نهاية سبعينيات القرن الماضي "1979"، وقد كانت البداية دعوية في المساجد وبأعداد قليلة من الناشطات، لكنها تحولت للعمل التنظيمي بعد إنشاء الجامعة الإسلامية ودخول أعداد من الفتيات فيها، وتأسيس الكتلة الإسلامية "بعد انطلاقة الحركة في عام 1987م".
وأشارت إلى أن الانطلاقة الحقيقية للحركة النسائية على مستوى قطاع غزة كانت من خلال العمل الطلابي في الجامعة من خلال مجالس الطالبات، إذ تسلمت كل مجموعة منهن العمل في مساجد المحافظات المختلفة.
وقالت: "كانت همة الطالبات عالية بالرغم من أن أعدادهن بالعشرات فقط، فأصبحن نواة حقيقية للحركة النسائية، التي زاد ظهورها في الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987م ثم الانتفاضة الثانية عام 2000م، وما بين الانتفاضتين كان هناك قمع مارسته السلطة الفلسطينية على الحركة، حيث أغلقت السلطة جمعيات الحركة النسائية".
وبينت شراب أنه منذ تأسيس الحركة في بدايات الانتفاضة الأولى كان هناك إيمان من القيادة أن المرأة لا بد أن تكون شريكا تكامليا قويا، "فقد كانوا يعدون أن الجبهة الداخلية في المجتمع تحتاج لصمام أمان وهو المرأة".
وأضافت: "كان الشيخ الشهيد أحمد ياسين يقول: المرأة ليست نصف المجتمع بل كله، فأولاها اهتماماً كبيراً، فكانت مشاركة في الاجتماعات التي تعقد في بيته وتشارك في الرأي والقرار".
وتعود شراب بالذاكرة لفترة الاحتلال الإسرائيلي للقطاع بالقول: "لم نتمكن من الحصول على تراخيص للعمل من خلال جمعيات، فكان العمل مركزاً بالدرجة الأولى على المساجد والعمل الدعوي والمجتمعي من خلال المؤازرة والإغاثة".
وتابعت قائلة: "وكان أكبر المعوقات أمامها وجود الاحتلال الذي كان يحارب كل ما هو إسلامي ووطني حتى أن الجامعة الإسلامية نفسها كانت محارَبة من الاحتلال، فطوال فترة الاحتلال لم يعترف بشهادات خريجيها، وقد كان كل من يدرس فيها يغامر بمستقبله".
وعبرت عن رأيها بأن التحاق أي فتاة بالجامعة كان يمثل تحديا، وقالت: "كانت الدراسة في الجامعة للبكالوريوس خمس سنوات (منها سنة تأهيلية) كما أنها غير مجانية، في حين كان هناك معهد غزة المجاني بجانب أن الشهادة غير معترف بها، فكانت مغامرة لأي فتاة بسنين من عمرها".
وعلى الرغم من ذلك فإن عدداً من الطالبات التحق بالجامعة، مستدركة بالقول: "لكن مجموعة من الطالبات من كليات العلوم والاجتماعيات واللغة العربية حاربن محاربة شرسة ليتم إنشاء كلية شرعية فأنشئت كلية أصول الدين، وضمت في جنباتها 23 طالبة وضعن الأساسيات للعمل النسائي المنظم".
وأشارت شراب إلى أنه بعد دخول السلطة الفلسطينية لقطاع غزة والضفة الغربية بدأ العمل النسائي من خلال الجمعيات الأهلية كـ"جمعية الشابات المسلمات"، إضافة للعمل في المساجد، والجامعة الإسلامية، لكن السلطة حاربت تلك المؤسسات وأغلقتها أكثر من مرة، خاصة في عام 1996.
وشددت شراب على أنه على الرغم من إقفال كل مؤسسات الحركة، واصلت المرأة العمل الدعوي والإنساني والمجتمعي والطلابي بالرغم من كل تلك المحن".
الانتفاضة الثانية
وخلال تلك الفترة –وفق شراب- كان هناك اجتهاد بأن يكون هناك حزب سياسي للحركة لتستطيع اختراق حاجز الصد الموضوع أمامها من السلطة، تمثل في "حزب الخلاص"، وقالت: "شاركنا أعضاء فيه، لكنه بقي فقط عدة سنوات، وعدنا للعمل تحت اسم "حماس" مع اندلاع الانتفاضة الثانية "2000م"، فكان للحركة النسائية دور رائد وإبداعي فيها".
ولفتت إلى أن الحركة النسائية لها مساحة كبيرة من الوجود في الانتفاضة الثانية، حيث شغلت مساحة كبيرة من الاهتمام بالطالبة الفلسطينية، وزوجات وأمهات وبنات الشهداء، بجانب الاهتمام بالبذرة الأولى، وهي تكوين عقلية الجيل الجديد والطفل الفلسطيني من خلال المدارس ورياض الأطفال.
ورأت شراب أن فوز حركة حماس بانتخابات المجلس التشريعي عام 2006م، كان جزء كبير منه يعود لجهود الحركة النسائية، خاصة في فترة الانتفاضة الثانية "التي كانت عصراً ذهبياً للحركة"، "كنا نعمل كخلية نحل رغم ضعف الإمكانات المادية، لكن كان الإيمان بالفكرة التي تقوم عليها الحركة، هو الدافع والمحرك للعمل، ما أدى لانضمام الكثيرات للحركة".
وعزز من دور الحركة النسائية –وفق شراب- العمليات البطولية والمقاومة التي قام بها أبناء الحركة بجانب بقية فصائل المقاومة، التي أدت لاندحار الاحتلال من غزة عام 2005، وأثبتت أن أقصر الطرق للتحرير المقاومة، فأصبح هناك توجه شعبي لتأييد الحركات المتبنية لمنهج المقاومة كحركة حماس.
وعدت أن انضمام سبع نساء من الحركة النسائية للمجلس التشريعي عام 2006، كان تجربة رائدة للحركة أثبتت فيها جدارتها، كما أثبتتها في ملء الشواغر الوظيفية "من مخزون كبير تمتلكه من النساء المتعلمات بأعلى الدرجات العلمية" بعد استنكاف موظفي السلطة سنة 2007م، "فاستطعن ملء المواقع الشاغرة بكفاءة واقتدار حتى وصلن لمراتب متقدمة كالوزير والوكيل المساعد والمدير العام".
وعدت أن إعلان حماس وجود عضوتين من النساء "هما شراب، ود.جميلة الشنطي" في المكتب السياسي الحالي ليس بأمر مستحدث جديد، "فمنذ إنشاء الحركة والمرأة تشارك في المجالس التشريعية (الشورى) والتنفيذية، لكن نظراً للحالة الأمنية غير المستقرة (سابقا) في قطاع غزة فإن الحركة كانت تنأى بالمرأة عن أماكن المواجهة، إذ كانت تُعقد اجتماعات المكتب السياسي في أماكن سرية وأوقات متعددة".
اللوائح الداخلية
وزادت شراب قائلة: "لكن المرأة كانت وما زالت مشاركة في القرارات وصياغة اللائحة الداخلية والنظام الداخلي في (مجلس الشورى) للحركة الذي يقرر القوانين والتشريعات التي تنظم عمل الحركة".
يشار إلى أن عدد النساء في آخر ثلاث دورات انتخابية في مجلس الشورى العام وصل إلى 11 امرأة من أصل 81.
وأوضحت شراب أن وجود المرأة في مراكز صنع القرار بالحركة لم يجعلها تغفل أدوارها الأخرى، سواء العمل التربوي والطلابي والمؤسساتي والثقافي والنقابي، وقالت: "كل مؤسسات الحركة النسائية تعد نفسها خادمة للمرأة الفلسطينية بغض النظر عن الانتماء السياسي فنقدم خدماتنا عبر ملفاتنا المتعددة لكل الفئات المجتمعية كالطلبة والأسر المعوزة".
وأضافت:" فنحن لا نغفل الاهتمام بأي فئة من فئات الشعب، ولدينا ملفات مماثلة لكل الملفات الموجودة لدى رجال الحركة، ونعمل على تعزيز علاقاتنا بالفصائل الأخرى من خلال ملف العلاقات الوطنية بالمؤازرة والمشاورة تجسيداً لانصهار الدم الفلسطيني مع بعضه البعض في المواجهات المتعددة مع الاحتلال.
وأشارت إلى أن "ميثاق الحركة عام 1988م" أكد دور المرأة في البيت المجاهد والأسرة المجاهدة، وضرورة أن تكون على قدر كافٍ من الوعي والإدراك للقيام بدورها في معركة التحرير، لافته إلى أن "المادة الرابعة والثلاثين من وثيقة عام 2017م، تؤكد أن "دور المرأة الفلسطينية أساس في بناء الحاضر والمستقبل كما كان دائماً في صناعة التاريخ الفلسطيني، وهو دور محوري في مشروع المقاومة والتحرير وبناء النظام السياسي".