قائمة الموقع

"طارق الدمج" يعود بعد استشهاده بـ 5 أيام

2022-12-16T10:46:00+02:00
فلسطين أون لاين

جنين-غزة/ يحيى اليعقوبي:

لخمسة أيام ظلَّ الحزن مخيمًا على منزل عائلة "الدمج" بمخيم جنين شمال الضفة الغربية. السكون يفترش البيت بعد غياب صوت ابنها طارق (26 عامًا) عقب استشهاده في اشتباكات مع قوات الاحتلال في 8 ديسمبر/ كانون الأول الجاري في أثناء اقتحام المخيم.

انقضت أيام العزاء الثلاثة، وتصر عائلات الشهداء على تسميتها "عرس الشهادة"، ومرَّ يومان آخران قبل أن تضع زوجة الشهيد مولودها الذي كان الجميع ينتظر قدومه، وأولهم والده الذي غاب عن مشهد ولادته يوم الثالث عشر من ديسمبر/ كانون الأول، سمع الجميع صرخة الحياة الأولى ومناغاة الطفل، الذي لم يدرِ أنه عاش اليُتم مبكرًا.

اختارت العائلة أن يحمل الطفل اسم والده "طارق" تخليدًا لذكراه، فأدخل الطفل فرحةً على تلك القلوب المكسورة بوجع فقدٍ لم يلتئم بعد، وأعين لم يجف دمعها بعد يومين فقط من انتهاء مراسم العزاء.

 

اختلاط مشاعر

لحظات اختلطت فيها المشاعر بين حزن على فراق ابنٍ غالٍ، وسعادة باستقبال مولود جديد، متناقضات لا يعيشها إلا أبناء الشعب الفلسطيني باجتماع الحزن والفرح معًا، وليس الاسم المتشابه وحده هنا، فكانون الأول/ ديسمبر دوّن تاريخ ارتقاء الأب، وكذلك تاريخ استقبال المولود.

انتشر مقطع فيديو مؤثر تداوله رواد مواقع التواصل، لحظة خروج الجثمان من منزل العائلة، بعد إلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه، في حين وقفت النسوة على عتبات درج المنزل، اتكأنَ على أكتاف بعضهن، كل منهن تُلقي بحزنها على الأخرى، ويلوحْن بإشارة وداعٍ أخيرة للجثمان في أثناء ابتعاده رويدًا رويدًا حتى تلاشى عن أنظارهنّ.

كان طارق الأب ينتظر قدوم مولوده الثاني بفارغ الصبر، وجهز كل الاستعدادات. والدته تتحدث إلى صحيفة "فلسطين" عبر الهاتف كانت شاهدة على لهفته، قائلة: في أيام حمل زوجته الأخيرة كان يمازحها كل يوم: "يلا ايمتا راح تولدي؟"، كان متشوقًا لقدومِه.

وعلى الرغم من أن الشهيد سبق أن عاش هذه اللحظة في أثناء استقبال مولوده البِكر يوسف (3 سنوات ونصف السنة) لكنه "كان سعيدًا بقدوم طفل ذكر آخر، فاختار اسم "حمزة" له، وأصرَّ على الاسم، ثم طلب منا تسميته باسم شهيد في حال ارتقائه في يوم ولادة الطفل نفسه"، تقول أمه.

تعلق بحسرةٍ وانكسار قلب أمٍّ: "للأسف، لم يدرِ أنه سيُستشهد، فاخترنا تسميته باسمه، كانت لحظات صعبة، افتقدناه، لكن قدوم الطفل سيخفف عنا، ويعوض غياب والده".

لم يكن الاسم هو المتشابه بين الأب وطفله، بل تصفه جدته بأنه "نسخة كربونية" من والده، يبتسم صوتها بعفوية: "لما تشوف صورة طارق ابني وهو صغير، بتحس أنهم شكل واحد".

 

جرح جديد

صباح الثامن من ديسمبر/ كانون الأول، كانت الدمج الأم تتابع أخبار اقتحام قوات الاحتلال المخيم، كعادتها تمر على أسماء الشهداء والمصابين، في كل مرة لا تقرأ فيها اسم أحدٍ من أبنائها تشعر بنجاة قلبها، وتهدأ مخاوفها حتى تراهم في البيت أمام ناظريها.

لكن جرى تداول استشهاد شاب في أثناء متابعتها لم ينشر اسمه، فعبرت عن تعاطفها مع أمه وهي تحاور نجلها الآخر: "الله يصبر أمه"، لم تمر سِوى دقائق أخرى حتى جاء نجلها يخبرها أن الشهيد هو نجلها طارق، وبرفقته استُشهد شابان آخران.

فتح استشهاد طارق جرحًا قديمًا في قلبها، عندما استشهد نجلها ربيع (16 عامًا) في أحد اقتحامات جيش الاحتلال للمخيم عام 2006م، لا تزال تذكر تفاصيل الحدث كأنه وقع بالأمس: "كان ربيع يلعب بقُربي مع أولاد الجيران، كنت أقف أمام باب البيت، في أثناء الحديث عن اقتحام قوات الاحتلال المخيم، وكنّا على وشك تناول طعام الغداء".

لم تقفز عن بقية التفاصيل، "ذهب مع الأولاد والشباب إلى رؤية الاشتباكات، فأطلق جنود الاحتلال رصاصًا كثيفًا عليهم، أصابته إحدى الرصاصات في منطقة الفخذ أدت إلى قطع في الشرايين، واستشهد في إثرها".

تستذكر لحظات ابنها طارق الأخيرة "لم تفارق البسمة وجهه، كان وجهه كالنور، اشترى ملابس جديدة، وأخبر أصدقاءه قبلها بأيام عن شعوره بقرب استشهاده".

تمر على صفاته "كان حنونًا، الجميع في المخيم يحبه، لا أتذكر أنه رفض لي طلبًا، كان ضحوكًا، أُحب الجلوس والحديث معه".

لم يكن لدى طارق أي حلم أو اهتمام، سوى السير في طريق المقاومة وتطويرها، فبرع وفق والدته في مجال صناعة العبوات الناسفة، على الرغم من محاولته إخفاء شخصيته المقاوِمة عنها.

"الجميع كان يقول لي إنه يخرج ويقاوم الاحتلال، وعندما أصارحه وأنقل له الكلام كان يفنده، حتى أن أصدقاءَ له نقلوا لي كلامه معه بعد استشهاده عن سبب رفضه إخباري بحقيقة دوره المقاوم، خوفًا من حزني عليه في حال استشهد".

 

اخبار ذات صلة