فلسطين أون لاين

"الدولة الأصولية".. عنوان الانهيار الحتمي

يعيش الكيان الاستيطاني مرحلة غير مسبوقة من الاضطراب السياسي العميق، وسط صراعات تَصِلُ إلى حَدٍّ من الانشقاق السياسي والأيديولوجي بين كتلتين تُمَثِّل كل منهما ما يقارب نصف التجمع الاستيطاني في فلسطين المحتلة.

خصوم نتنياهو يُحَذِرون من "دولة أصولية"، تَلوي عُنق "الديمقراطية" المُدَّعاة، حين يقطع الكنيست الصهيوني خطواته الأولى نحو تشريعات تَسمَحُ بِضَم مُدانين إلى الحكومة المُرتقبة التي يسعى رئيس الوزراء المُكلَّف إلى تشكيلها، وذلك وسط رُعب يسود كيان الاحتلال من تَشَكُّل كيان مُغرَقٍ في الأيديولوجية اليمينية المتطرفة، وقد مُرِّرت تعديلات قانونية قبل إعلان تشكيل الحكومة العتيدة التي من المفترض أن يُنتهى من تقديمها بحلول 21 كانون الأول الجاري.

وخلافًا للقانون والأعراف المُتَّبَعة فقد انتخب الكنيست الثلاثاء الماضي بأغلبية 64 صوتًا، ياريف ليفين من حزب "الليكود" رئيسًا مؤقتًا للكنيست، بعد عزل الرئيس الحالي ميكي ليفي المحسوب على حكومة تصريف الأعمال، ومن التعديلات تلك التي قرر الائتلاف اليميني الفاشي إنفاذَها: تعيين رئيس حركة "شاس" أرييه درعي المُدان بِتُهَم جنائية في منصب وزاري، وتمكين عُضوي الكنيست المتطرِفَين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش من توسيع صلاحيتهما في وزارتي "الأمن القومي" و"الجيش".

ووافق الكنيست مساء الثلاثاء الماضي في قراءةٍ تمهيديةٍ على 3 مشاريع قوانين تستهدف السماح بِضَم محكوم عليهم في قضايا جنائية، "مع وقف التنفيذ"، للحكومة، وتمكين الائتلاف اليميني من السيطرة على المراكز الأمنية العُليا. وتمَكَّن نتنياهو من إدارة هذه "اللُعبة" بنجاح حين عزل رئيس الكنيست ليفي قبل التصويت على مشاريع القوانين المذكورة، الذي كان من المفترض أن يستمر على رأس مهامه حتى التصويت على الحكومة، ولكن نتنياهو ومعه أغلبية ائتلافه، آثر مخالفة القانون؛ حتى يأمن السيطرة الكاملة على الاقتراع دون "مشاغبات" برئيس كنيست ينتمي إلى حزب "الليكود".

كما عَرَّف الإعلام العبري القانون الذي يسمح لرئيس حزب "شاس" بأن يصبح وزيرًا بـ"قانون درعي" على الرغم من الحُكم عليه في كانون الثاني الماضي بالسجن مدة عام مع إيقاف التنفيذ لتهربه من دفع الضرائب، ووفقًا للقناة الـ12 العبرية، أُطلِق "قانون بن غفير" الذي يدعو إلى تعديل "مرسوم الشرطة" لِتُصْبِح خاضعة لوزير "الأمن القومي"، وحُوِّل قائد الشرطة إلى تابع للوزير، إلى جانب ضم وحدات "حرس الحدود"، وقوات "الأمن الوطني " من تشكيلات الاحتياط.

وتمت الموافقة على مشروع قانون ثالث سموه "قانون سموتريتش" ويسمح لزعيم حزب "الصهيونية الدينية" بالحصول على صلاحيات وزير في "وزارة الجيش"، الأمر الذي نَدَّدَ بِهِ واستنكَرَهُ وزير الجيش في الحكومة المُنصرفة بيني غانتس، وعدَّهُ خروجًا عن المألوف وتدميرًا للجيش.

ومن المعلوم وفقًا لقانون الكيان، أن مشاريع القوانين تلك تحتاج إلى تصويت الكنيست بـ3 قراءات لِتُصبح نافذة.

وذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن الكنيست سيُشكل اللجان الخاصة التي ستناقش مشاريع القوانين، استعدادًا للمناقشات العاصفة والطويلة المُنتظرة.

وتشي كل التطورات الدرامية المتلاحقة، أن كيان الاحتلال بَدَأَ فعليًّا يُواجه تحديات تمس وجوده المادي على الأرض الوطنية في فلسطين المحتلة، وتزداد المخاوف التي تتعلق ببنود ذات صبغة دينية مُتطرِّفة، إلى جانب الاتفاقيات التي تعمل على إخضاع الجيش لحسابات سياسية تُقَسِّمُهُ وتُقَوِّض نفوذه لصالح أحزاب المستوطنين ومخططاتهم العنصرية الفاشيَّة.

قادة كُثُر يَخْشَون انهيار كيانهم وَيُصَرِّحون بالفم الملآن بذلك، ويتحدثون عن الانقسام تحت وطأة التصعيد الكبير والخطير لقوات الاحتلال الذي تَشهدهُ الضفة الفلسطينية، واتساع ساحات الإعدام التي تطال النساء والرجال والأطفال.

وجاء آخر التحذيرات من رئيس الكيان هرتسوغ الذي صَرَّحَ منذ بضع ساعات بـ"أن الكيان يشهد انشقاقًا خطيرًا يُهدِّدُ بتقويضه داخليًّا". وقد سَبَقَهُ رئيس وزراء العدو الأسبق إيهود باراك بإبداء مخاوِفِه العميقة من قُرب زوال الكيان قبل حلول الذِكرى الـ80 لتأسيسها غير المشروع، مستشهدًا بـ"التاريخ اليهودي"، الذي يُفيدُ بأنه لم تُعَمَّر لليهود دولة أكثر من 80 سنة. وكان نتنياهو نَفسهُ قد أدلى بِتصريحٍ متطابق تمامًا مع ذلك.

وليس غريبًا أن يتوقع الجميع أن أحزاب الائتلاف الفائز سيذهبون بعيدًا في إحداث تَحوُّلاتٍ عميقة في بنية النظام السياسي والمجتمعي وفي المؤسسات على اختلاف حقولها، وهذا سيقود إلى انقسامات حادَّة داخل الكيان.

ويُلْحَظُ جليًّا أن التجمع الاستيطاني ينحدر بتسارع نحو صيغة ظلاميَّة للصهيونية الدينية، لا يَسِمُ فقط من وصلوا إلى سِدَّة الحكم من الأحزاب المتطرفة الفاشية، وإنما أولئك الذين في معسكر المعارضة، ونماذج ذلك تتجلَّى في مواقف وأفكار الرئيس هرتسوغ وإيهود باراك، وأفيغدور ليبرمان وغيرهم، وما نجده اليوم حين تُنزع الأغلبية من التجمع الصهيوني نحو هذا الاتجاه، ما يؤكد طبيعة وجوهر هذا الكيان الزائد وغير الشرعي الذي يُفصح عن حقيقته دون رتوشٍ أو مَساحيق.

الصدام الدموي الواسع مع انتفاضة الشعب الفلسطيني وموقفِهِ الراسِخ خلف مقاومته الباسلة ومشروعها التحرري الجذري قادِمٌ وقريب، وتطوراته تستمر فصولًا منذ عام، وستتصاعد مع ميليشيات بن غفير وسموتريتش وبقية قادة سوائب المستوطنين، وقطعان جيشهم النازي.

العدو سيحاول تجاوز كل الخطوط الحمراء في ميادين مدن ضفة يعبد القسام وقراها ومخيماتها وسيسعر البناء الاستيطاني لتغيير الأمر الواقع، وسيبذل كل المحاولات البائسة واليائِسة لفرض الهدوء، هذا السيناريو الذي أثبتت الوقائع الحَيَّة والعنيدة، وعلى مدار عقود الكفاح الوطني أنه لن يمر مهما كانت جَسامة التضحيات.

وعلى الرغم من كل مناورات نتنياهو وتلوُّنه "الفذ"، وتلاعبه بكل نماذج الخداع، فإنه سقط ولم يسقط في مأزق من قبل مثل هذا المأزق. نتنياهو اليوم رهينة لخطط "أبدع" في حياكتها؛ بحثًا عن الهرب إلى الأمام، بإسقاط التهم عن نفسه وأسرته بأي ثمن ليقع في الفخ الذي نصبه لهم.

وهو ملزم تلبيةَ كل شروطهم، أو الذهاب إلى انتخابات سادسة جديدة، وحلفاؤه من اليمين المتطرف لا يخشونها، فالمستوطنون أغلبيتهم معهم، ويعلم نتنياهو أن هذا هو الانتحار بعينه.