أعلن رئيس المستعمرة يتسحاق هرتسوغ الجمعة الماضية، تمديد مهلة رئيس حزب الليكود، بنيامين نتنياهو، لتشكيل الحكومة بعشرة أيام، وكان الأخير قد طلب تمديد المهلة لأسبوعين، ولكن القانون لا يُلزم هرتسوغ تمديدًا كاملًا.
والمحاذير هنا كثيرة، خاصة أن حلف نتنياهو من أقصى اليمين الصهيوني المتطرف والفاشي يواجه عواصف عاتية ووحدة غير مسبوقة لكل الطيف السياسي من الجبهة الأخرى على اختلاف مشارِبهِ الأيديولوجية ومواقعه سواء كان يمينًا أو وسطًا أو يسارًا وفق تصنيفات الخريطة الصهيونية، وكذلك من حركات وأحزاب شعبنا الفلسطيني في الداخل المحتل.
رئيس الكيان هرتسوغ، قلق تمامًا كغيره، فهو لم يزل يعتقد أن نتنياهو قد لا يُحالفه الحظ في تشكيل الحكومة على الرغم من إحرازه لسبق الفوز بأغلبية برلمانية لائتلافه اليميني المتطرف قوامها 64 عضوًا، بما يفترض منحه فرصة تشكيل الحكومة السادسة المرتقبة.
كما أن هرتسوغ -وكما عبر مرارًا وتكرارًا- يخشى من تداعيات الانقسامات الحادة الجارية بين أحزاب الكيان، وانعكاس ذلك على بنى مؤسسات المستعمرة قاطبةً، كان ذلك على الجيش وهو الحامي والبقرة المقدسة، أو الشرطة، وكذلك الوزارات بكليتها، التي بدأ نتنياهو ببعثرة أقسامها وتدمير وحدتها، إلى تحويل التجمع الإستيطاني الصهيوني في فلسطين المحتلة، إلى غيتوات يهودية متصارعة.
وفي هذا كَتَبَ هرتسوغ في رسالته بشأن تمديد المهلة: "بودي تكرار أقوالي التي أدليت بها في يوم تنصيب الكنيست، أن تعمل الحكومة التي سَتُشَكَّل من أجل مُجمل الجمهور، وأن يَحرص الائتلاف على خطاب مسؤول!".
وأضاف هرتسوغ في رسالته لنتنياهو في التجديد أنه "عندما وافَقْت على تشكيل الحكومة، قُلت أن تَتشَكل حكومة تعمل من أجل المجتمع كُله. إنها أيام عصيبة تواجهنا، وهناك خلافات حول قضايا أساسية تُهدد بتمزيق الكيان، وتغذية العُنف والكراهية العبثية. لذلك أطلب التحلّي بخطاب مسؤول بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية".
من جِهته فقد طلب نتنياهو من هرتسوغ مسوغًا تمديد مُهلة التكليف أنه "تم التوقيع على ملاحِق ورسائل تتعلق بتوزيع المناصب في الحكومة الجديدة مع جميع الأحزاب التي أوصت بتكليفي بمهمة تشكيل الحكومة، ومع ذلك لم تزل هناك قضايا تتعلق بتوزيع المناصب، لم يتم الاتفاق عليها بعد".
وأضاف رئيس الوزراء المكلف أن "كل الأحزاب تُطالب بتوقيع اتفاقيات ائتلافية كاملة كشرط لتوزيع المناصب، وأن هذه الاتفاقيات تشمل الإشارة إلى العديد من القضايا الجوهرية المعقدة، والمفاوضات جارية على قدم وساق، وتم إحراز الكثير من التقدم، ومع ذلك سأطلب كل أيام التمديد التي لديك صلاحية مَنحها لي وفقًا للقانون، وحتى أتمكن من تشكيل الحكومة!".
واضح أن نتنياهو لم يتطرق في رده على هرتسوغ أو في تصريحاته لكل المآزق التي ذكرها رئيس الكيان أو تلك التي تعصف به، بل يستمر على ذات الطريق الإجباري الذي وجد نفسه فيه أسيرًا لما تفرضهُ عليه كُتل الائتلاف كتمرير مشروع "قانون أساس الحكومة"، الذي يقضي بأن وصمة العار لا تسري على عقوبة السجن مع وقف التنفيذ، وإنما على عقوبة السجن الفعلي فقط، الأمر الذي سَيُمكِّنُ نتنياهو، من تعيين رئيس حزب "شاس" أرييه درعي، الذي أُدين بالفساد، في منصب وزاري رفيع، إلى جانب تمرير مشروع قانون يتعلَّقُ بتوسيع صلاحيات وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، كذلك يَسعى الائتلاف إلى سَنِّ قانون يلتف به على المحكمة العليا لِيمنعها من شطب قوانين يُصدق عليها الكنيست.
وقد اعترض وزير القضاء الحالي، غدعون ساعر، معتبرًا أن طلب نتنياهو تمديد المُهلة لتشكيل حكومته، هو للتضليل، وهدفه تمرير قوانين شخصية إشكالية، وفقًا لمطالب شُرَكائه، وأنه كان على هرتسوغ رفض هذا الطلب.
وبحسب قناة "كان" العبرية، فمن المتوقع أن تُحَطّم الحكومة الجديدة في البلاد رقمًا قياسيًا في عدد الوزارات والوزراء لإرضاء جميع الطامحين بمناصب رفيعة أو عُليا في النظام السياسي الجديد، التي قد تزيد على 30 وزارة إلى جانب العديد من نواب الوزراء، وهذا سيكلف الموازنة الملايين من الشواكل، فضلًا عن بيروقراطية مقيتة ستعطل وتائر العمل.
وتشير القناة العبرية إلى أن تكلفة الوزير تتراوح بين 9 –14 مليون شيكل سنويًا، وتبلغ تكلفة وزير بلا حقيبة نحو سبعة ملايين ونصف، ونائب وزير ثلاثة ملايين أخرى كل عام. كما سيتم فصل عدة وزارات لِتُصبح وزارتين، فسيتم مثلًا فصل وزارة "الضواحي والأحياء" عن "النقب والجليل"، ووزارة "الثقافة"، عن "الرياضة والتراث"، بل والتناوب في منصب وزير الخارجية، وهو الذي يَدْرسُهُ الآن نتنياهو كما نشرت القناة "12" العبرية.
وذكرت القناة في تقريرها، أن الخيار المطروح، هو أن يكون وزير الخارجية في العامين الأولين، عضوًا كبيرًا في "الليكود"، على أن يُعين السفير السابق لدى الولايات المتحدة رون ديرمر في هذا المنصب للنصف الثاني من ولاية الحكومة، وهو من الأصدقاء المقربين جدًا من نتنياهو.
وفي الجزء الأول، فمن المحتمل أن يكون يسرائيل كاتس، في سياق محاولات نتنياهو لتفكيك مجموعة "المتمردين" ضده داخل حزب "الليكود"، وهناك تقديرات أن يشغل عضو الكنيست، دودي أمسالم، منصب رئيس الكنيست، وديفيد بيتان منصب رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية.
ووفقًا لتقرير القناة المذكورة، فإن نتنياهو يواجِهُ رد فعلٍ عنيفًا من داخل الليكود بسبب رغبته في تعيين ديرمر وزيرًا للخارجية.
كما كتب وزير "القضاء" الأسبق يوسي بيلين في صحيفة "إسرائيل
اليوم"، وهو صاحب وثائق العار التي وقعها مع كلٍ من محمود عباس من جهة وكذلك مع ياسر عبد ربه وغيرهما، ومع آخرين، تَنُصُّ على شطب جُلّ الثوابت الوطنية الفلسطينية وفي المقدمة منها قضية اللاجئين الفلسطينيين، ويعلق بيلين أن حكومة نتنياهو السادسة هي "حكومة لا مَفرّ"، وأن كل الذين حَذَّروه، إنما يتحدثون مع أنفسهم، وأنه ذاهب إلى حتفه السياسي المؤكد نظرًا لخطورة اتفاقياته مع شركائه الائتلافيين في مجالات الأمن، والقانون، والقضاء والتعليم.
ويؤكد الكاتب بيلين أن نتنياهو يهذي، بأن كل الأمور ستكون في يده، ومضمونة له، وهو يعتقد واهمًا مكررًا شعاراته البراقة القديمة من نمط "دعوا الجيش ينتصر"، واعتماد الحلول الجاهزة للمشكلات المُركَبَّةَ التي نُواجهها دون وعي بالثمن الباهظ الذي سَنَدْفَعه لتحقيقها –إن استطعنا ذلك-، ونتنياهو وائتلافه لا يعلمون كم هي عليلة تلك الشعارات التي ستُقَسم كيان الاحتلال.
حكومة صهيونية في مَهَبِ الريح، فهل ينجح نتنياهو في تمريرها من ماراثون مليء بحقول الألغام أمام انقسام يطال التجمع الاستيطاني في كل مكوناته، وهل سترى النور، وإن تشكلت وهو متوقع -كما يشير مُعظم المُراقبين– فهل سَتَصمدُ طويلًا؟