تقول العديد من المصادر، وخاصَّة قيادات الكيان الصهيوني غير الشرعي، إن صراعاً مُحتدماً بدأ يَدُبُّ في بنيته، وإن هذا الصَّدع غير مسبوق، ويُنذر بعواقب وخيمة قد تَصِلُ إلى حدود الحرب الأهلية، خاصةً أنها تَمَسُّ عُرى المعسكر المدجج بالأسلحة الذي أقام "هرم" العصابات المقاتلة، وعصب "الدولة العميقة" التي تستند إلى الجيش ودورهِ المركزي وصناعاته العسكرية، وإدارته لعلاقات التحالف مع الغرب الاستعماري منذ التأسيس عام 1948 برعاية بريطانية، ومن ثَمَّ تحت الهيمنة الأمريكية، وبُعدها الأوروبي الممتد الذي يصُبُّ في الدور الوظيفي لهذا الكيان الذي بدأ يتداعى.
حكومة نتنياهو اليمينية الدينية المتطرفة والفاشية العتيدة، استثارت بِسِجِلِّ أركانها الفاسد الإرهابي، وبتاريخ القتلة والدمويين في الحكومة المنُصرفة، وبمكونات الطيف السياسي للنظام الصهيوني وتاريخه الأسود.
يقول رئيس وزراء دولة العدو المنتهية ولايته يائير لبيد، إن بنيامين نتنياهو المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة ضعيف ويبتزه حلفاؤه من أقصى اليمين، للحصول على مناصب سياسية حسّاسَة على خلفية محاكمته في قضايا فساد.
تحدّث لبيد بذلك خلال اجتماع كتلة "هناك مستقبل" التي يرأسها، كما نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية.
وحول اتفاق نتنياهو مع آفي ماعوز رئيس حزب "نوعم" المتطرف، الذي منحه بموجبهِ سلطات على المناهج في منظومة التعليم، يعلم أنه ارتكب خطأً فادحاً ولكنه في وضع هَشٍّ ولا يمكنه التراجع عنه.
ويضيف لبيد، أن نتنياهو وبسبب محاكمته، فإنهم يدركون أنه تحت وطأة ابتزاز لا يستطيع رده، وأنه "لا حدود لوقاحة هذا الرجل".
ويخاطب لبيد، نتنياهو مباشرة: "لقد ابتكرتَ حيلا جديدة، فهل مسموح لك بتفكيك بُنى البلد من الداخل، وهل أي احتجاج ضد هذه السياسات ضدك تعدهُ تمردا، وإذا كنت تعتقد أن ما قُلتُه في الأيام القليلة الماضية هو تمرد، فأنت لم تَرَ شيئاً بَعْد!"
رئيس المستعمرة هيرتسوغ يقول بصراحة وحرفياً إن الدولة: "تشهد انشقاقاً خطيراً، يهدد بتقويضها!".
ولقد سبقه الرئيس الذي انصرف "رؤوفين ريفلين"، الذي قال إبان انتفاضة شعب فلسطين على الأرض الوطنية المحتلة عام 1948 في معارك "سيف القدس" المجيدة: "اعتقدنا أننا أسرنا (الأقلية العربية) لنجدهم في قلب الصراع معنا، إنه أخطر زلزال واجهناه منذ التأسيس".
وتكشف صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية أنه منذ 5 أيام فقط أعلنت أكثر من 50 سلطة مَحلية، من الحدود الشمالية إلى النقب جنوباً، أنها لن تتعاون مع سياسة زعيم حزب "نوعم" آفي ماعوز الخاصة بالمناهج التعليمية، وذلك لمواقِفِهِ الخاصة بالمثليين والمرأة.
ومعلوم أن رئيس الوزراء المكلف نتنياهو (2009 – 2021) ورئيس حزب الليكود، أنه ومنذ 24 أيار 2020 يُحاكم في ثلاث قضايا فساد تتعلق بالرشوة وخيانة الأمانة، والاحتيال، وهو يسعى إلى سَن تشريعات خلال ولايته المرتقبة لحكومته السادسة للحيلولة دون مُحاكمته، ويقول منتقدوه في المعارضة المحتدمة في مواجهته إنه سيحوّل "الدولة الديمقراطية" إلى "دولة عالمٍ ثالث أُصيبت بوباء الحاكم الفرد المُسْتبدِ".
كما أن مانشيتات مُعظم الصحف العبرية ووسائل الاعلام التقليديّة والجديدة، تبدأ يومياً بالتعبير عن مخاوف جِديّة تُحيقُ بالبلاد ومُستقبلها نتاجاً لما خلفته الاتفاقات الائتلافية بين حزب الليكود بقيادة نتنياهو، وأحزاب بينها "عوتسما يهوديت" بقيادة إيتمار بن غفير، و"الصهيونية الدينية" بقيادة بتسلائيل سموتريتش، و"نوعم" بقيادة آفي ماعوز، وحزب "شاس" بقيادة أرييه درعي، والذي لم يزل هناك استعصاءات يحاول نتنياهو معالجتها الآن.
كما حَذَّر عميت ساعر رئيس قسم الأبحاث في شعبة المخابرات، "أمان"، مساء الاثنين الماضي، من حالة عدم الاستقرار التي ستتصاعد في مناطق الضفة الفلسطينية المحتلة وفي أوساط السلطة التي بدأت تفقد الشرعية. ويقول ساعر في "مؤتمر غازيت الأمني"، إن الاستقرار الأمني يتم تقويضه، وضعفهُ واضح، مشيراً إلى أنه لم يعد هناك قدرة على إدارة الصراع مع الشعب الفلسطيني، كما بيّن أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية تفقد فعلياً السيطرة في شمال الضفة وخاصة في جنين، و"أن الأوضاع تُنذرُ بالكثير، وهذا واحدٌ من السيناريوهات التي نتوقعها في اليوم التالي لذهاب أبو مازن".
وعلى ضوء مُقدمات ما يصرح به وزراء الحكومة الفاشية العتيدة فقد نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت، عن مسؤول كبير سابق في شرطة العدو قوله "أتوقع أن تحدث موجة جديدة من العنف في المدن المختلطة أكبر بكثير من تلك التي حدثت خلال عملية (حارس الأسوار)"، وأوضح أن مذابح خطيرة يمكن أن ترتكب وفي أي لحظة ودون أي إنذار مُسبق، وعلينا الاستعداد، ولكن الشرطة غير مستعدة حتى الآن لمثل هذه الأحداث.
وَعَلّق ساعر على "مثال، ظاهرة عرين الأسود، وهي ليست مسألة الأعداد، بل إن ما نراه، هو شباب وُلِدوا بعد الانتفاضة الثانية، يركلون كل شيء، بما في ذلك السلطة، إنهم غاضبون ويريدون إشهار قضيتهم".
واعتبر أن إيران والضفة هما مصدر التهديد الفِعلي في العام القريب القادم.
ورداً على تحريض لبيد على نتنياهو ووصفه بأنه بلطجي وأنه ينفث سُمومه في التجمع الاستيطاني، قال رئيس الحكومة المُكلف: "أُدينُ بشدة محاولات لبيد تحريض ضباط الجيش ورؤساء البلديات على التمّرد ضد الحكومة المُنتخبة تحت قيادتنا"، معتبراً أن هذا سلوك خطير ويَضرُّ بالديمقراطية المُدعاة.
وفي السياق، أكد اليميني الفاشي ايتمار بن غفير، الذي سيتولى حقيبة الأمن القومي في كلمة له أمام الكنيست، تَصميمهُ على تمرير مشروع قانون الحصانة لجنود جيش العدو وأفراد الشرطة على إطلاق النار دون أي ضوابط.
أما بيني غانتس وزير الجيش المنصرف، فقد وجه بَدوره انتقادات حادة لقرارات وتصريحات نتنياهو قائلاً في تغريدة له على تويتر: "هل هو الأمن القومي، أم تفكيكهُ إلى أجزاء من المكونات، وتأسيس جيش خاص تحت إمرة ابن غفير؟!".
كما أن نتنياهو نجح في أن يفرض تغييراً مضموناً لرئيس الكنيست الحالي ميكي ليفي من حزب "ييش عتيد"، حيت تمكن من جمع تواقيع 64 عضوا في الكنيست من شركائه في الحكومة المقبلة لانتخاب رئيس جديد منهم ويسير على هواهم، بِهدف تمرير قوانين عِدّة في بإمكانهم تمريرها، ومن بينها تعيين رئيس حزب "شاس" أرييه درعي، وزيراً وهو الذي أُدين بتهم فساد والتهرب من دفع الضرائب، ومَنح صلاحيات واسعة لابن غفير في جهاز الشرطة، وسن قوانين للالتفاف على المحكمة العليا بحيث يمنعها من شطب قوانين يَسُنها الكنيست، وكذلك الدخول على خط تعيين القضاة وهذا يَمس على نحو خطير وغير مسبوق "استقلالية القضاء"، على حد قول أحزاب المعارضة .
ويعتزم الليكود سن هذه القوانين قبل الإعلان عن تنصيب حكومة نتنياهو السادسة، وذلك حتى ينال نتنياهو رضى حلفاءه حين يقوم بتنفيذ الاتفاقات الائتلافية التي تم التوصل إليها في المفاوضات والتي في جُلِّها تخالف القوانين والنظم التي سار عليها كيان استيطاني غريب لا يُعلم أين تقف حدوده ولم يزل دون دستور ويعمل بقوانين أساسية منتقاة تُخالف القانون الدولي وشِرعة حقوق الانسان.