قائمة الموقع

الشقيقان "ريماوي".. جادا بروحَيهما عن "كفر عين" وظفرا بالشهادة

2022-11-30T08:47:00+02:00
الشقيقان الشهيدان "الريماوي"

اخترقت رصاصة بطن ظافر ريماوي (21 عامًا) بعدما فتح جنود الاحتلال رشاش آلي من الجيب العسكري خلال اقتحامهم صباح أمس لقرية "كفر عين" شمال غرب رام الله، فاستغاث بصوتٍ يوخزه الألم: "اسعاف اسعاف"، على مقربة منه وصل الصوت لأذن شقيقه جواد (22 عامًا) وهرع إليه تحت زخات الرصاص في محاولة لسحب شقيقه، وما إن وصله حتى اخترقت رصاصتان أطلقت من نفس فوهات بنادق الاحتلال قلبه وكتفه وسقط على مقربةٍ من شقيقه، وارتقيا شهيدين. 

عادة ما تودع أمهات الشهداء ابنًا عزيزًا، فيهون عزيزٌ باقٍ مرارة الفقد. كانت أمهما تبحث عمن يسكن جرحها وهي تقف أمام جثمانهما تحتضن كفتي يديها وجه واحد منهم، تطلب منه الاستيقاظ: "جواد اصحى، ظافر راح!" لأول مرةً لم يردا على والدتهما. 

ترثي حياتها: "هذه ليست حياة، نربيهم حتى يذهبوا بلحظة، حقي أن أعيش مع أولادي وأرى أولادهم وليس أن أدفنهم، ماذا فعلوا!؟، ضربوا حجرا (...) قالا لي: "لن نقبل الموت ونحن على الفراش، نحن من سيحرر فلسطين".

"أولادي الاثنين" جملة قالها والدهم في المشفى بعدما استرجع المولى عز وجل في مصابه صابرًا محتسبًا، اختصرت الكلمتان وجع أب مكلوم باستشهاد نجليه، واختصرت ألف جملة تعبر عن الفقد.

على درب "النابلسي"

بينما وقفت أختهما لتخاطب الناس وتنقل وصيةً قرأتها على الملأ بدموع عينيها، مجهرةً الصوت: "وصيتهما لكم أن تسيروا على خطى "النابلسي: ما تتركوا البارودة" ما تتركوا المقاومة والنضال، وما النصر إلا صبر ساعة".

تحدث شهود عيان لصحيفة "فلسطين" عن لحظة إعدام الشقيقين، بأن "ظافر وجواد ذهبا لقرية كفر عين، بعد حدوث مواجهات مع الشبان أثناء اقتحام القرية، التي لا تبعد عن قريتهم (بيت ريما) أكثر من كيلو متر واحد".

شاهد عيان كان برفقتهما نقل له تفاصيل الجريمة، بأن جنود الاحتلال أطلقوا الرصاص عليهما من فتحات جيباتهم العسكرية أثناء مداهمة القرية، فأصيب ظافر في بطنه واستغاث الإسعاف، وبعده بمسافة قليلة أصيب شقيقه جواد في كتفه وقلبه.

كان ظافر يسأل عن إصابة شقيقه ووضعها، قبل أن يفقد الوعي أثناء نقله بسيارة لمستشفى سلفيت وكانت إصابته خطيرة نظرا لحدوث نزيف داخلي، واستشهدا.

يدرس ظافر في المستوى الثالث في كلية الهندسة والتكنولوجيا بجامعة بيرزيت، بينما تخرج جواد العام الماضي من كلية الأعمال والاقتصاد بنفس الجامعة، ولديهم أربعة أشقاء (بنتان وذكران توأم).

رفيقا المواجهات

عبد الله زيداني، صديق جواد في القرية وزميله بالجامعة، يقول لصحيفة "فلسطين" عنه: "جواد شاب خلوق محبوب من الجميع، سعى من صغره لمقاومة الاحتلال والتصدي له بأبسط أدوات المقاومة كالحجارة، ليس في قريتنا (بيت ريما) فقط بل بالقرى المجاورة إذا علم باقتحام الاحتلال لها، وكان يحفز شقيقه الأصغر ظافر على مقاومة الاحتلال بكل الطرق والوسائل".

حمل ظافر اسم عمه الأسير ظافر الريماوي المحكوم بالسجن 32 عاما، وأينما كانت تتوجه قوات الاحتلال كان جواد وظافر يستقبلان تلك القوات بالحجارة والمولوتوف.

لم تكن ساحة الاشتباك شاهدة فقط على دورهما الوطني، بل منصات وقاعات الجامعة كانت شاهدة على تفوقهما وتفاعلهما في شحذ همم الطلبة، يستذكر: "كان حضورهما منذ أيامهم الأولى بالجامعة وكانا نشطين حتى في المدرسة، بإحياء المناسبات الوطنية أو المشاركة بالوقفات الاحتجاجية والتضامنية، أو التوجه لنقاط التماس، وربما لم يتخلفوا يومًا عن أي مناسبة، وكذلك في كل المواجهات". 

نجى جواد من الإصابة والاعتقال في أكثر من مرة، يستعيد صديقه أحد المواقف التي لا تفر من ذاكرته، راويًا: "كنت أقف معه في إحدى الوقفات نصرة للأقصى، فسألته: هل ستلقي كلمة أو شعرًا، فأعطيته الميكروفون وبدأ بإلقاء الشعر بدون تحضير، وهذا مثال أنه قادر على الخطابة واستنهاض الهمم وشقيقه ظافر كان مثله". 

يتوشح الكوفية، على منصة الجامعة، يجري الشعر على لسان جواد أمام الطلبة: "احنا اللي ما نهاب الموت اسمعوا يا صهيونية، جينا اليوم نعلي الصوت حتى تسمع رأس الحية، أمريكا، تخرس وبتسمع، احنا اخلقنا على الجهادية، نموت وما نرضى الذلية".

في كلمة أخرى نشرها على صفحته على "فيسبوك"، عبر جواد عن شخصيته ومبادئه: "إن ما يمثلني من فتح طريق المقاومة والبندقية، أما والله إني بريء من المفاوضات والحل السلمي (...) يمثلني الرد السريع لرائد الكرمي، تمثلني طلقات فراس الجابر على العدا، وتهديدات أبي جندل للقوات الصهيونية واشتباكات الدخيل في نابلس، وانتماء الضياء والرعد".
"نقول للعدو وأعوانه، مهما تعددت الألوان ستظل تحت علم فلسطين، مهما اختلفت المسميات وسنكون تحت خيمة الحرية، ولن ننزل عن جبل الكرامة، ولن نخيب الظنون ولن نحرف بوصلة بيرزيت"، بها ختم كلمته التي تفاعل معها رواد مواقع التواصل الاجتماعي، لم تكن كلمات وشعارات لإظهار الخطابة، بل مبدأ سارا واستشهدا عليه.

يوزع والدهما يديه على نعشي نجليه وهو يتوسط بين الجثمانين ترافقه جموع المشيعين وليتها تحمل شيئا من حمل الفقد، تخرج من صوته كل عبارات القهر، التي عبر عنها (محمود درويش) "الشَّهيد يُحذِّرني: لا تُصدّق زغاريدهنَّ وصدّق أبي حينَ يحمل نعشي باكيًا: كيف بدَّلنا أدوارنا يا بني وسرت أمامي؟ أنا أولاً".

اخبار ذات صلة