في الوقت الذي تتذرع السلطة بأنها تعاني أزمة مالية يخرج رئيسها محمود عباس بالتصديق على البدء في تنفيذ النشرة لقوى أجهزة أمن السلطة مطلع ديسمبر/ كانون الأول المقبل، وهو ما يعكس اهتمامه بقطاع الأمن على حساب القطاعات الأخرى.
ومن المعروف أن نشرة قوى الأمن تتعلق بالترقيات والرتب العسكرية للمنتسبين لأجهزة الأمن التابعة للسلطة بجميع أقسامها.
وبحسب تقرير "الملخص التنفيذي للتقرير النصف سنوي للموازنة العامة لعام 2022" الذي نشره الفريق الأهلي لدعم شفافية الموازنة العامة برام الله، فإن الإنفاق على قطاع الأمن في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي شكَّل 23% من إجمالي الإنفاق الحكومي، وقد ذهب 86% من إجمالي ما تم إنفاقه في قطاع الأمن إلى بند الرواتب والأجور.
ويرى الناشط في مكافحة الفساد فايز السويطي أن مواصلة السلطة الترقيات والعلاوات لعناصر أجهزة أمنها دليل على أنها تتعامل بنظام "الدولة البوليسية" أي أن تطوير قطاع الأمن همها الأول.
وعد السويطي في حديث لصحيفة "فلسطين" أن ترقيات عناصر أمنية تهدف إلى حماية السلطة نفسها وإيجاد ولاءات كاملة لها على حساب المواطنين والقطاعات الأخرى، مستهجنا ذريعتها الدائمة بوجود أزمة مالية لديها "إذ لا يعينها المواطن، إنما بناء جيش يخدم مصالحها لبقائها أكبر فترة ممكنة".
وقال: بهذا السلوك الذي تنتهجه السلطة يكتمل المشهد، إذ إنها تستنزف قرابة ربع موازنة الدولة لقطاع الأمن دون توفير الأمن للمواطنين، بل تعمل لخدمة مصالح الاحتلال الإسرائيلي وحماية أمنه.
وأكد أن السلطة غير معنية بالحفاظ على السلم الأهلي في المجتمع الفلسطيني، مشيرا إلى أن تخصيص هذه النسبة لقطاع الأمن يشكل حرمانا لشعبنا من مشاريع حيوية كالصحة والبنية التحتية التي يحتاج لها بشكل كبير.
وبيّن أن تطوير الأمن له انعكاسات سلبية، أبرزها مضاعفة التنسيق الأمني وملاحقة المقاومين والمطاردين والمعارضين السياسيين للسلطة وزجهم في سجونها، عدا عن الإضرار بالسلم الأهلي.
ويتفق مع سابقه الناشط السياسي صهيب زاهدة، بأن السلطة مستمرة في ترقية عناصر من أجهزة أمنها رغم مزاعمها بوجود أزمة مالية، معتبرا تصديق عباس على هذا القرار يندرج في إطار "شراء الولاءات لبعض ضباط الأجهزة الأمنية، لتحصين القيادة الحالية منتهية الشرعية".
ورأى زاهدة في حديث لـ"فلسطين" أن أقوال السلطة بوجود أزمة مالية تخالف أفعالها فيما يتعلق بتطوير قطاع الأمن، ما يدلل على وجود خلل كبير من صانع القرار فيها، مردفا "السلطة والمتنفذون فيها غير مؤتمنين على الشعب الفلسطيني".
وأكد أن أجهزة أمن السلطة تستنزف أكثر من ربع الموازنة العامة، لكن دون مقابل ملموس يعود على المواطنين، إذ إن الفلتان الأمني يتفشى يوما بعد آخر، مضيفا أن السلطة تركز على قطاع الأمن وتخصص له موازنة مالية كبيرة بدلا من التوجه لتطوير البنية التحتية وبناء المستشفيات وغيرها من الأمور التي تعود بالنفع على المواطنين.
واعتبر أن ما يحدث يؤكد أن السلطة باتت "نظاما ديكتاتوريا يسعى لتحصين نفسه، باستخدام كل الصلاحيات والامتيازات للسيطرة على الشعب".
وكانت حكومة اشتية قد أعلنت في نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي خلال اجتماعها مع المانحين أنها تخطط لتنفيذ جُملة من "الإصلاحات الحكومية" أبرزها خفض فاتورة الرواتب البالغة 200 مليون دولار شهريا، بنسبة 25% حتى نهاية العام الجاري، ليصل الخفض إلى 50% مع نهاية العام القادم.
ويرى وزير المالية في حكومة رام الله شكري بشارة تلك الخطوة أنها باتت ضرورية لمنع انهيار النظام المالي الفلسطيني، بقوله "لا يمكن أن يستمر الوضع وتبقى فيه الرواتب وأشباه الرواتب تستهلك 100% من الإيرادات العامة، فهذا غير ممكن".
و"أشباه الرواتب" مخصصات تدفع شهريا، وبانتظام، لفئات من غير الموظفين، وتحديدا عوائل الشهداء والجرحى والأسرى، وهي الفاتورة التي تقلص شهريا في إطار محاربة هذه الفئات.
ويرى مدير مركز إعلام حقوق الإنسان والديمقراطية "شمس" د. عمر رحال أن الهدف الأساسي من تصديق عباس على القرار وتخصيص موازنات لقطاع الأمن هو "تقوية الأمن لحماية النظام السياسي وليس المؤسسات الدستورية".
وقال رحال لـ"فلسطين" إن ذلك مؤشر على أننا نسير نحو الدولة السلطوية أو الشمولية"، معتبرا الاهتمام بالأمن دليلا على اتجاه السلطة لمواصلة "استخدام العصا الغليظة ضد المعارضين السياسيين".
وبيّن أن نسبة مخصصات الأمن من الموازنة العامة، البالغة 23% "كبيرة جدا" على حساب القطاعات المدنية الأخرى، مطالبا السلطة بخفض هذه النسبة والاهتمام بالفئات المهمشة والفقيرة والقطاعات الأخرى مثل الصحة والتعليم والزراعة وغيرها.