فلسطين أون لاين

قطر والقوة الناعمة

قطر دولة عربية خليجية تقع في شرق الجزيرة العربية، كانت قطر حتى عام 1971 تخضع للحماية البريطانية، ثم استقلت بصفتها إمارة وراثية دستورية، ووضع دستورها الأول المكتوب عام 1995م، ويصل عدد المواطنين القطريين إلى نحو (300000) ثلاثمئة ألف نسمة، وتبلغ مساحتها قرابة 11.521 كيلو مترًا مربعًا.

تمتلك قطر ثالث أكبر احتياطيات العالم من الغاز الطبيعي، وثالث عشر أكبر احتياطيات العالم من النفط، دخل الفرد في قطر من الأعلى عالميًا، إذ تحتل قطر المرتبة الثالثة على مستوى العالم.

بنظرة يسيرة للمعطيات السابقة يستنتج القارئ أن قطر دولة صغيرة المساحة قليلة عدد السكان غنية جدًا قليلة الموارد إلا من النفط والغاز.

وعليه فإن كل ما يمكن لهذه الدولة تحقيقه هو أن تعتكف على نفسها وتتنعم بما يوفره لها دخلها الناتج من بيع الغاز دون أن يكون لها أي تأثير في مجريات الأحداث العالمية.

يقول المتنبي: "إذا كانت النفوس كبارًا .. تعبت في مرادها الأجسام"، ولا شك أن قطر امتلكت نفسًا من أعظم النفوس الكبيرة، تلك النفس التي تجلت في شخص حاكمها الذي ورث النفس الكبيرة عن أبيه فتحولت قطر إلى مركز إشعاع حضاري وسياسي وثقافي ملهم للعالم أجمع، لم تستكن قطر لديكتاتورية جغرافيتها، ولم توهن عزيمة قائدها قلة عدد سكانها، ولم يؤثر في قوة إرادته صحراوية أرضها أو صعوبة مناخها، فتعاملت النفس الكبيرة مع ذلك كله بكل حنكة واقتدار، فكانت قطر التي يتردد اسمها على ألسنة سكان الكوكب كافة، لم يكن المال فقط هو من جعل قطر تحتل هذه المكانة العالمية المرموقة، وإن كان له دور مهم في مسيرة قطر، فكم من الدول امتلكت المال لكنه لم يَعْدُ أن يكون وسيلة للمتعة ليس إلَّا، ولكن قطر خطت خطوات بل قفزت قفزات إعجازية كسرت فيها معادلة التطور التاريخي فحولتها إلى التطور الوقتي، نعم التطوري الوقتي، ليس فقط لأن قطر استطاعت خلال مدة وجيزة الانتقال من دولة صحراوية متواضعة إلى أكثر دول المنطقة تطورًا وتأثيرًا، بل لأنه لا تكاد تمر ساعة على قطر إلا وهناك تطور في مجال من مجالات العمل الحيوي وفقًا لخطط وضعت على أسس علمية دقيقة تسير بها قيادة قطر بخطوات واثقة نحو مستقبل أكثر إشراقًا.

 تتسيد قطر اليوم مقعد التأثير العالمي عن جدارة باستضافتها كأس العالم، هذا الحدث الكروي الذي تهفو إليه قلوب الملايين من سكان الكوكب لتقدم نموذجًا عربيًا إسلاميًا رائعًا ومشرفًا يعبر عن أصالة ونقاء الحضارة العربية الإسلامية، فتقبل قطر كل خير قادم إليها من أرجاء المعمورة وتلفظ الخبيث دون أن تجامل على حساب قيمها ومبادئها.

قطر لم تكن بدايتها مع كأس العالم في 2022م، فلقد كانت قطر تحقق إنجازاتها وتأثيرها على المستوى الدولي منذ مدة طويلة وراكمت إنجازاتها العظيمة في ملعقة فخر زاخرة إليكم بعضًا منها: تشكيل اللجنة القطرية لإنقاذ القدس في أبريل 1996 لدعم ومساندة القضية الفلسطينية، وتحقيق المصالحة اللبنانية عام 2008م في اتفاق الدوحة، ورعاية الاتفاق الموقع بين جمهورتي جيبوتي وإريتريا في يونيو 2010، وتوقيع وثيقة الدوحة للسلام في دارفور عام 2011م، ونجاح مساعي الوساطة القطرية بين السودان وإرتيريا عام 2011م، وتوقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية عام 2012م، وتولى قطر رئاسة الدورة 66 للجمعية العامة للأمم المتحددة، ونجاح قطر في رعاية اتفاق السلام بين حركة طالبان والولايات المتحدة الأمريكية، الذي أسفر عن جلاء القوات الأمريكية عن أفغانستان بعد نحو عشرين عامًا من الاحتلال، ورعاية اتفاقيات وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال في عدة جولات من القتال إلى جانب الأشقاء المصريين.

ما سبق يعطي إشارة واضحة أن قطر تمتلك تأثيرًا دوليًّا تعجز عنه بعض الدول التي تطلق على نفسها دولًا كبيرة أو حتى دولًا عظمى، ولم يكن لقطر أن تمتلك هذا النفوذ الدولي بالمال فقط، فليس بالمال وحده تحيا الدول، ولكنها النفس التواقة التي تسعى دومًا للارتقاء وتكسر حواجز المستحيل ولا تقف عاجزة أمام العقبات، قطر تمتلك اليوم قوة ناعمة، لكنها أعظم أثرًا بمرات عديدة من القوة الخشنة التي تتمترس خلفها دول كثيرة تنفق عليها أكثر مما تنفق على المجالات الأكثر حيوية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية، وفي المحصلة لم تكن هذه القوة الخشنة ذات فائدة تذكر حتى في مجالات استخدامها.

قطر 2022، تمثل نموذجًا ملهمًا لكل دول المنطقة بل ودول العالم التي تسعى للارتقاء والتطور وتحقيق التنمية والرفاه للمواطن، وأمام هذا النموذج الرائع الذي قدمته قطر ننحني احترامًا وتقديرًا.