لم يستسلم أهالي البلدة القديمة في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلة لعشرات آلاف المستوطنين الذين اقتحموا بحماية قوات الاحتلال الإسرائيلي المدججة بالسلاح ساحات المسجد الإبراهيمي ضمن احتفالاتهم بما يسمى "عيد سارة"، واشتبكوا معهم بالأيدي، وأوقعوا بينهم مصابين.
واقتحم نحو 50 ألف مستوطن ساحات المسجد الإبراهيمي، وخلال ذلك هاجموا مدينة الخليل ومسجدي "باب الزاوية" و"الصديق" في شارع الشلالة وسط المدينة، وحطموا زجاج نوافذهما.
وأصيب عدد من المواطنين بجروح متفاوتة في إثر هجوم المستوطنين الواسع في حي تل الرميدة، وشارع الشهداء بالبلدة القديمة في مدينة الخليل، بالتزامن مع اعتقال قوات الاحتلال عدد من المواطنين، وفق الناشط في تجمع شباب ضد الاستيطان في مدينة الخليل مراد عمرو.
ودعا أهالي البلدة القديمة إلى تشكيل "غرفة عمليات مشتركة" تضم مؤسسات وقوى المدينة للتصدي للمستوطنين وعدم تكرار ما حدث من استباحة واسعة للمسجد الإبراهيمي ومناطق واسعة في الخليل.
وانطلقت دعوات شبابية لإقامة صلاة فجر الجمعة القادمة في المسجد الإبراهيمي تحت اسم "فجر الحشد العظيم" ردا على تدنيس الاحتلال ومستوطنيه المسجد الإبراهيمي ومحاولات تهويده.
وقال عمرو لصحيفة "فلسطين" إن الأهالي سطروا قصص بطولية في الدفاع عن منازلهم، إذ واجهوا المستوطنين وجيش الاحتلال "من نقطة صفر" وواجهوهم بالأيدي، إلى أن تمكنوا من طردهم، مؤكدا أحقية الأهالي في الدفاع عن مدينتهم ومنازلهم وصد الهجمات الاستيطانية الرامية لطردهم من منازلهم ومساجدهم.
وأضاف أن الأهالي خاصة في منطقة تل الرميدة وشارع الشلالة والشهداء لم يستسلموا للمستوطنين رغم الجرائم والإصابات التي تعرضوا لها، فقد بقوا ثابتين يدافعون عنها إلى أن طردوا المستوطنين منها.
دعم غلاة المستوطنين وأرجع أسباب الهجمة التي تعرضت لها المدينة إلى الدعم والتأييد الذي تلقاه المستوطنون من غلاتهم، خاصة بعد فوزهم في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، ومشاركة عضو "الكنيست" المتطرف إيتمار بن غفير، الذي يسكن في مستوطنة "كريات أربع"، في الاعتداء على الأهالي. وتوقع عمرو تصاعد اعتداءات المستوطنين خلال الأيام القادمة على أحياء البلدة القديمة، خاصة بعد فوز غلاة المستوطنين بالانتخابات الإسرائيلية، وتحريضهم المستمر على الفلسطينيين والدعوة لقتلهم وطردهم من منازلهم.
ووصف "اتفاق الخليل" الموقع في 17 يناير/ كانون الثاني 1997 بين منظمة التحرير والاحتلال بـ"النكبة الجديدة" التي تتعرض لها المدينة بعد النكبة الأولى عام 1948، الذي بموجبه تم تقسيم المدينة قسمين بين الفلسطينيين والمستوطنين، ما أثّر في الحالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمن والنسيج الاجتماعي فيها.
واعتبر الاتفاق "عارا على من وقعه"، إذ أوجد قاعدة للمستوطنين في قلب المدينة ما ساهم في زيادة تهويدها وبناء المزيد من المستوطنات والاستيلاء على الأماكن الأثرية والمقدسة فيها وعلى رأسها المسجد الإبراهيمي.
وانتقد إهمال المؤسسات الدولية تجاه ما يتعرض له الأهالي في مدينة الخليل، وهو ما زاد من تغول الاحتلال ومستوطنيه على المدينة وأطلق لهم العنان للقيام بجرائمهم بحق الفلسطينيين.
ودعا الناشط في مجموعة الدفاع عن حقوق الخليل عارف جابر إلى تعزيز الصمود للمواطن الفلسطيني في المدينة، وحمايته من اعتداءات الاحتلال ومستوطنيه الذين يهدفون من اقتحام البلدة القديمة بعشرات الآلاف إلى تعزيز وجودهم الاستيطاني، إلى جانب توسعة رقعة الاعتداءات على المواطنين ودفعهم للهجرة قسرا.
وبين جابر لـ"فلسطين" أن المستوطنين يعملون على تهويد المدينة من خلال الاعتداءات على الأهالي وإقامة وحدات استيطانية جديدة في مختلف أحياء مدينة الخليل، وتضييق الخناق على سكانها، داعيا أبناء شعبنا للتضامن مع أهالي الخليل وتعزيز صمودهم ومساندتهم في مواجهة المستوطنين ومخططات الاحتلال التهويدية.
تشكيل لجان دفاع
وأفاد الناشط مفيد الشرباتي أحد سكان شارع الشهداء إن العائلات بذلت ما بوسعها أول من أمس للدفاع عن نفسها، لكنها كانت تتوقع مساندة أكبر من فعاليات وأهالي المدينة، مشددا على أن استباحة الخليل من المستوطنين يستدعي تشكيل لجان حماية وغرفة عمليات مشتركة لحماية أهالي البلدة القديمة وردع المعتدين.
وبين الباحث في الشأن الإسرائيلي عادل شديد أن الاحتلال يتعامل مع مدينة الخليل من ناحية "توراتية عقائدية"، وبات يخطط لبناء سلسلة استيطانية من المسجد الإبراهيمي إلى المسجد الأقصى وتهجير أي وجود فلسطيني بينهما.
وأضاف شديد أن ما حدث في الخليل أول من أمس يجب أن يشكل نقطة مهمة لقيادة السلطة التي لا تلقي بالا لما يجري وتكتفي بالشجب والإدانة، منبها إلى أن ما جرى ليس حدثا عفويا، بل هو مخطط له منذ فترة، لأن عدد المستوطنين الذين اقتحموا البلدة القديمة أربعة أضعاف عدد المستوطنين في الخليل