عندما تعامدت شمس الظهيرة من يوم الثلاثاء الماضي، كان المُحرر عيسى الشلالدة (24 عاماً) على موعد مع اعتقال جديد، حينما اختطفته قوة من أجهزة مخابرات السلطة، من مكان عمله في منجرته الصغيرة الخاصة بحياكة أقمشة الكنب الواقعة في قرية "أبو شخيدم" بمدينة بيرزيت وسط الضفة الغربية المحتلة.
انهال عناصر القوّة بالضرب والشتائم على المحرر "الشلالدة" ثم زجّت به في سيارة ولاذت بالفرار، علماً أنه لم يمضِ على الإفراج عنه سوى شهر ونصف الشهر من سجون السلطة، حسبما روت والدته "منى الشلالدة" التي تبلغ من عمرها (47 عاماً).
لم تعلم عائلة "الشلالدة" عما جرى مع "عيسى" حينها، إلا بعد ساعات من وقوع الحادثة، عبر شهود عيان في المنطقة، إذ تقول والدته لصحيفة "فلسطين"، إن مخابرات السلطة اختطفت نجلها دون سابق إنذار، وزجت به في سجن مخابرات رام الله.
ولا يزال "الشلالدة" يقبع خلف زنازين مخابرات سلطة رام الله، في ظروف صعبة لليوم الخامس على التوالي، حيث يُعد ذلك الاعتقال هو الثاني خلال العام الجاري، والرابع له منذ عدة سنوات، الأمر الذي يترك آثاراً صعبة على عائلته التي تزداد وتيرة القلق لديها خوفاً على نجلها.
وما يثير غضب والدة المعتقل السياسي عيسى الشلالدة هو اعتقال أجهزة السلطة نجلَها الذي يدرس تخصص "إدارة الأعمال" في جامعة بيرزيت، "بلا تُهم" واضحة، وفق ما تروي، علماً أن قوات الاحتلال زجت به في سجونها سنة ونصف السنة.
وتتهم أجهزة السلطة باعتقال نجلها من أجل دفع كفالات مالية عالية، قائلةً: "في كل مرّة يتم اعتقال عيسى تفرض علينا السلطة مبالغ مالية كبيرة شرطًا للإفراج عنه".
وتوضح أن عائلتها تعيش أوضاعاً اقتصادية ومعيشية صعبة، إذ إنها تعاني أمراضا عدّة، وزوجها مريض أيضاً ولا يستطيع العمل. وتُضيف: "عيسى هو الذي يصرف على البيت إلى جانب إخوانه".
وتُبين والدة عيسى أن العائلة تضطر للاستدانة من أجل دفع الأموال لجهاز مخابرات السلطة، في سبيل الإفراج عن "عيسى"، مُشيرةً إلى أنه يتعرض للتعذيب والشبح ويتم وضعه في غرفة صغيرة جديدة، لا يستطيع خلالها النوم.
وبقلب ملؤه القهر تقول الوالدة إن حالتها الصحية تتراجع يوماً بعد آخر، عقب اعتقال "عيسى": "احنا بنتعذب وعيسى يتعرض للعذاب في سجون السلطة"، مُتسائلة: "ليش يعتقلوه وهو ما عمل اشي؟".
وتُشير إلى أن عائلتها أوكلت محاميا من أجل متابعة القضية، واصفةً الاعتقال السياسي بـ"الجريمة والظلم الكبيرين"، مطالبةً السلطة بضرورة الإفراج الفوري عن نجلها وجميع المعتقلين السياسيين.
وتصاعدت انتهاكات أجهزة السلطة في رام الله بحق المواطنين خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حيث سجلت لجنة أهالي المعتقلين السياسيين (409) انتهاكات، كان أبرزها جريمة قتل المعتقل السياسي محمد البنا، شقيق المطارد محمود البنا أحد قادة مجموعات عرين الأسود، تحت التعذيب في سجون الأجهزة الأمنية في نابلس.
ملاحقة المخالفين
إلى ذلك، يرى رئيس لجنة الحريات في الضفة الغربية المحتلة خليل عساف: إنه "ليس هناك مسوغات لاعتقال الشخص أكثر من مرة لدى أجهزة السلطة"، مستدركاً: "لكن السلطة تجد عدّة مسوغات لهذا الأمر".
وقال عساف لصحيفة "فلسطين": إن "السلطة تعمل على إعطاء قضية المُعتقل أكثر من مرة "صبغة قانونية" للاعتقال، من أجل إظهار أن القضية جنائية"، مشيراً إلى أن أبرز الاعتقالات تكون للمعارضين السياسيين وعلى خلفيات النشاط التنظيمي.
وعدّ استمرار الاعتقالات السياسية وتكرار الاعتقال للشخص ذاته يندرجان في إطار "ملاحقة المخالفين لسياسات السلطة"، وهو ما يثبت عدم قبول السلطة بالرأي والرأي الآخر.
وشدّد على أن "الاعتقال على خلفية الاعتقال السياسي قضية خطيرة، أدت إلى تقسيم الدم بين المجتمع والأنساب، وهذه قضية دخيلة على المجتمع"، لافتاً إلى وجود عشرات المواطنين الذين تعرضوا للاعتقال مرات عدة.
وعبّر عساف عن أسفه لاستمرار سياسة الاعتقال للشرفاء في المجتمع الفلسطيني الذين ضحوا من أجل قضيتهم وشعبهم، مطالباً بضرورة إنهاء الانقسام السياسي وإتمام الوحدة الفلسطينية.