تتعلق ضرورة وواجب إطلاق الأسير الفلسطيني بصفة خاصة والأسير بصفة عامة، بخمسة مبادئ وقيم سامية على الأقل، وليس بقيمة واحدة فقط، لدرجة جعلت الكثير يعتقدون وبحق بأنها قيمة عليا بحد ذاتها، كما أنها ضرورة لاستمرار تماسك الجماعة الوطنية وتمكنها من تحقيق أهدافها التحررية.
فأولا، يعدّ إطلاق الأسرى جزءا من قيمة الوفاء بالعهد والوعد، فالعقد غير المكتوب يقتضي أن يقاتل الفرد ويناضل ويبذل ويعطي كل ما يمتلك لدرجة الشهادة، فإن اعتقل رغما عنه، فالواجب على الجماعة إطلاقه بأسرع فرصة ممكنة، مهما عظمت التضحيات.
من جهة ثانية، يتعلق إطلاق الأسير بقيمة الحرية، فحرية الأفراد والشعوب والأمم هي قيمة عليا دونها الصراع والحروب والدماء، فما بالكم إن كان ثمنها محدودا نسبيا، مقارنة بالحروب الشاملة والواسعة؛ كصفقة تبادل للأسرى على سبيل المثال.
أما القيمة الثالثة التي يتعلق بها واجب إطلاق الأسير، فهي قيمة الكرامة الإنسانية، فالاعتقال التعسفي كما اعتقالات الاحتلال الغاصب، هو انتهاك لكرامة الإنسان، وتحديدا ذاك الذي مارس إنسانيته بمقاومة الاحتلال، ورفض الظلم ودافع عن نفسه وأهله ووطنه ومقدساته.
هذا الانتهاك يجب أن يتوقف بكل ثمن، وقد يكون الثمن هنا باهظا أحيانا، ولكنه معقول في إطار الظروف، ويمكن احتماله مقارنة بالثمن الأخلاقي والقيمي الذي لا يقدر بثمن، والذي سيدفعه الجميع حالما تم التقصير في إطلاق الأسير نتيجة التراخي أو سوء التقدير والأولويات، فثمن وتكاليف ذلك هو تفكك الجماعة، وثمن ذلك في ضعف روابط الجماعة وتآكل أسسها ونفور الناس عنها، فهي تكاليف عملية وليست معنوية فقط.
القيمة الرابعة، هي قيمة أو مبدأ الثقة بين الناس، وتحديدا المتعاهدين وأهل الصف الواحد، فهو مبدأ وقيمة بحد ذاتها. قال الحكماء: ومن أركان هذا البيت الثقة والتضحية إلى جانب الطاعة والالتزام والتجرد، وتراجع هذا المبدأ أو انعدامه، يعني عدم إمكانية التجمع على أي فكرة ومبدأ مهما كان ساميا.
أما القيمة الخامسة التي يمس بها استمرار التقصير في إطلاق الأسرى، فهي قيمة الأخوّة، وهي الفريضة الخالدة التي بدأت تتراجع نسبيا، ووجب على المخلصين من القادة والنشطاء والعلماء والمفكرين والمؤسسات وغيرهم أن يتداركوها؛ لما لتراجعها المستمر من نتائج وتداعيات خطيرة كبيرة على تماسك الأمم والمجتمعات والجماعات، وأعظم من ذلك، فهي فريضة خالدة لا يقال لها لماذا؟ "إنما المؤمنون إخوة".
هكذا تتعدى أهمية وضرورة إطلاق الأسرى الأبعاد الشخصية للأسير، لتشمل أيضا وبالأساس كينونة المجتمع والجماعة، فهي إقامةٌ لخمس قيم ومبادئ إنسانية وأركان أخلاقية أساسية، وضمانةٌ أكيدةٌ لنجاح المجتمعات والمؤسسات باستمرار وجودها وبقائها وفي تحقيق أهدافها، وخاصة تلك التي تعيش مرحلة تحرر وطني مرير كالشعب الفلسطيني المنكوب، ويدرك الاحتلال الإسرائيلي الغاشم هذه المعادلات، فيصرّ ويعاند على احتجاز الأسرى؛ ليهدم بهذا قيم ومبادئ الإنسان الفلسطيني، بعد أن هدم بيته ووطنه.