تُظهر تسريبات وأقوال أدلت بها شخصيات فلسطينية رفيعة في محاضر التحقيق الخاصة بقضية اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات، أنه جرى رفع الغطاء العربي عن الأخير قبل أربعة أشهر من جريمة اغتياله، وذلك بعلم وصمت قيادات بمنظمة التحرير وعلى رأسهم رئيس السلطة محمود عباس، كما توضح التسريبات.
انتظر الشعب الفلسطيني سبع سنوات بعد اغتيال عرفات عام 2004، الذي دُس إليه السم، ليبدأ عمل لجنة التحقيق، و18 عامًا ليطلع على بعضٍ من مجريات التحقيق، بعد خلافات وصراعات تشهدها الساحة الفتحاوية الداخلية التي طفا على إثرها الملف إلى السطح، وأعيد إلى الواجهة.
في 28 يوليو/ تموز 2012 تحدث المتحدث باسم رئاسة السلطة نبيل أبو ردينة ومستشار عرفات، أن آخر زعيم عربي اتصل بعرفات قبل وفاته بأربعة أشهر كان الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، ونصحه بـ"تسليم السلطة" الذي فسر بأنه يحمل تهديدًا بالقتل، وأضاف أبو ردينة: إنه "لم يجرؤ أي زعيم عربي بعد ذلك على التواصل مع عرفات، وتخلوا عنه".
وهذا يثير تساؤلات حول استمرار تواصل قيادات بالسلطة ومنظمة التحرير مع قادة الاحتلال وأمريكا، في وقت ظل الحصار مقتصرًا على عرفات.
وكشف أبو ردينة عن تقدم أمريكا بالطلب من عرفات بوقف الانتفاضة وتسليم كل المطاردين، ثم اتخاذ إجراءات أمنية وعسكرية تجعله مسيطرًا على كل ما بين يديه.
وتساءل المستشار السياسي للرئيس الراحل، بسام أبو شريف في حوار مع صحيفة "فلسطين" نشرته الخميس الماضي، عن سبب رفض السلطة تشريح جثمان عرفات عندما عاد من فرنسا، ومن ثم نبش قبره بعد 6 سنوات من اغتياله بحجة التشريح، معتبرًا ذلك "تصرف من يريد إخفاء حقيقة الاغتيال"، إضافة إلى أنها رفضت تشكيل لجنة تحقيق دولية، لكون هذه اللجنة ستحقق مع مسؤولين إسرائيليين أيضًا.
اقرأ أيضا: فصائل فلسطينية: الوثائق المسربة حول اغتيال عرفات تثبت وجود متهمين كثر
واتهم مستشار عرفات، رئيس الولايات المتحدة الأسبق جورج بوش باتخاذ قرار الاغتيال، وقال أبو شريف عن هذه المعلومات التي أقر أنه "يتحدث بها لأول مرة"، إن بوش استشار عددًا من الحكام العرب وأعطوه جوابًا إيجابيًّا حول ضرورة التخلص من عرفات لأنه "عقبة في وجه السلام".
خلط أوراق
المتحدث باسم حركة فتح "التيار الإصلاحي" عماد محسن، يرى أن مصلحة من سرب ملفات التحقيق هو المزيد من خلط الأوراق وتشتيت الوعي الفلسطيني وانتباه وتركيز الإعلام والسياسيين عن جريمة اغتيال عرفات، بالذهاب إلى تفاصيل حول من كان يحب أو يكره، وخلافاته، وغيرها من الأمور.
وقال محسن لصحيفة "فلسطين": إن أكثر جهة مستفيدة هي الجهة التي خططت ومولت ونفذت الجريمة واختفت عن الأنظار، ولم يُشر إليها بأصبع الاتهام طيلة 18 عامًا بشكل أساسي.
وشدد على أن المطلوب الآن أن يعلو الخطاب الوطني لجهة أن يُعرف من اغتال عرفات، الذي في غيابه انخفض سقف التوقعات الفلسطينية، من رفض "كامب ديفيد" والذهاب لانتفاضة مسلحة إلى الذهاب نحو مرحلة التنسيق الأمني "المقدس" والاتفاق مع "الشاباك" الإسرائيلي بنسبة 99% ضد أبناء شعبنا، و"العيش تحت بساطير الاحتلال"، في إشارة إلى تصريحات صريحة لرئيس السلطة محمود عباس.
وذكر محسن أن التسريبات قالت كل شيء إلا الأدلة الجنائية، التي يمكن أن يتم الذهاب بها إلى المدعي العام أو النائب العام أو لمحكمة خاصة، إذ خلت التسريبات ممن وضع السم وأعطاه لعرفات، ومن غطى عليه حتى لا ينكشف.
وطالب بوضع من صمت على اغتيال عرفات منذ 2004 حتى 2011 (موعد تشكيل لجنة التحقيق) في قفص الاتهام، وتوجيه له مسؤولية التقصير في جريمة العصر، لأن سبع سنوات كانت كافية لإخفاء الأدلة وتغييب كل الشخوص الذين يمكن أن يشار إليهم بأصبع الاتهام، وتغيير مسرح الجريمة.
صراع داخلي
ويرى الكاتب والمحلل السياسي سليمان بشارات أن التسريبات جزء من حالة الصراع الداخلي الذي تمر به حركة فتح، وتحديدًا بين قيادات الصف الأول، وأنه من الواضح أن تلك التسريبات كانت خفية في محطات معينة وخرجت للعلن بمحطات أخرى، سواء بين القيادة القديمة للحركة وفي مقدمتهم توفيق الطيراوي، أو الجديدة التي تقود مسيرة فتح والسلطة في هذه المرحلة.
اقرأ أيضا: "من قتل عرفات؟".. وسمٌ يتصدر منصات التواصل الاجتماعي في ذكرى رحيل "الختيار"
وأضاف بشارات لصحيفة "فلسطين" أن الواضح أن هذه الأوراق والملفات بقيت طي الكتمان طيلة السنوات السابقة لأنه كان هناك نوع من التفاهم الضمني بين هذه التيارات والقيادات، لكن ما أبرز هذه التسريبات بهذا التوقيت هو إقالة توفيق الطيراوي من مجلس أمناء جامعة الاستقلال في أريحا، وما تبع ذلك من مواقف تهميشه وعزله عن قيادة المنظمات الشعبية أيضًا.
ويعتقد أن الطيراوي أراد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إرسال رسائل أنه يمتلك بعض أوراق القوة بين يديه، ويمكن حرقها في أي وقت استدعى ذلك.
كما يعتقد أن الوثائق صحيحة وصادقة، وإحدى نتائج تسريبها هو فصل الطيراوي من حركة فتح واللجنة المركزية، وهذا يعيد للأذهان صراعات ونزاعات داخلية أخرى، منها التسابق على ترؤس الحالة الداخلية لفتح والسلطة، يتم فيها إزاحة قيادات تاريخية لصالح قيادات جديدة ترغب بالصعود.
ورغم أن التسريبات تخص شأن الرئيس عرفات باعتباره شخصية نضالية للشعب الفلسطيني، يستبعد بشارات أن تحدث التسريبات أي تحركات بأي اتجاه، لأنه ينظر للقضية على أنها صراع فتحاوي داخلي، مشددًا على وجوب أن تخرج اللجنة المشكلة للتحقيق بأي نتائج للعلن، خاصة إنها تقول إنها لا تزال تعمل، فمن غير المنطقي استمرار عمل لجنة 18 عامًا وليس لديها أي نتيجة.