إن ما أفرزته الانتخابات الإسرائيلية الجديدة هو انتخاب أحزاب يمينية متطرفة، تقودها شخصيات معروفة بعنصريتها وتعصبها الفكري والأيديولوجي الصهيوني القائم على الإجرام، فلم تكن عودة بنيامين نتنياهو للمرة السادسة إلى الحكم في (إسرائيل)، بعد فوز حزبه “الليكود” بالتحالف مع أحزاب يمينية متطرفة أخرى ممثلة بأحزاب الحريديم (الأرثوذكسية اليهودية)، وهي "شاس" و"يهودت هاتوراه"، كسابقاتها في تشكيل ائتلاف حكومي، كان يضم تنوعاً نسبياً عقد خلاله تحالفات مع أحزاب اليمين والوسط لتشكيل حكوماته السابقة، ولكنه أراد العودة بحكومة يمينية خالصة. ولأول مرة في تاريخ كيان الاحتلال تحقق أحزاب اليمين المتحالفة الأغلبية، وتشكل تحالفاً متماسكاً من أقصى اليمين المتطرف، وهذا يدلل على غلبة التطرف على المجتمع الصهيوني.
فلم يكن صعود حزب “شاس” المتطرف، وحزب "الصهيونية الدينية"، وهو حزب ديني قومي فاشي استيطاني متطرف، بزعامة رأسين هما: بتسائيل سموتيرش، وإيتمار بن غفير، وأصبح ثالث أكبر حزب في (إسرائيل) بـ 14 مقعداً، وهذا لم يكن أمراً مفاجئاً، بل كان متوقعاً بانتخاب هذه الشخصيات المتطرفة من مجتمع صهيوني متطرف بامتياز، بدليل أن ما تسمى الأحزاب الأكثر اعتدالاً مثل اليسار، والعلمانية الصهيونية (أبرزها حزبا "ميرتس"، و”العمل”) أصبحت في الحضيض، فقد استفاد اليمين الصهيوني في جولة الانتخابات الأخيرة من حشد أنصاره وقاعدته الانتخابية، إضافة إلى استمالة الناخب الإسرائيلي الذي سئم دوامة الانتخابات، وغياب الاستقرار السياسي، وحالة الضعف الأمني في كل مكان، لذا تبادر إلى مخيلاتهم أن حكومة يمينية بحتة بقيادة نتنياهو وبن غفير هي “المنقذ المنتظر”، بل العكس من ذلك، فقد تحالف نتنياهو من قبل مع ليبرمان، وبينيت في حكومة موحدة كانت النتائج فشلها، بسبب شدة تطرفها، وقد وصفت صحيفة "هآرتس"، المشهد بأنه يوم أسود، وحذرت من أن (إسرائيل) على وشك أن تبدأ ثورة يمينية ودينية وسلطوية تهدد الدولة و"ديمقراطيتها".
البعض يقارب ذلك بنمو الخطاب الشعبوي، وصعود اليمين في ظاهرة عالمية ازدادت انتشاراً في السنوات الأخيرة، لكن الحالة السياسية في (إسرائيل) بصعود اليمين المتطرف تختلف كليا عن مثيلاتها في أوروبا، فقد نشرت مجلة فورين بوليسي الأميركية (Foreign Policy) مقالاً للكاتب الإسرائيلي ديفيد إي روزنبرغ، يقول فيه إن اليمين المتطرف الإسرائيلي مختلف عن أحزاب اليمين المتطرفة في أوروبا، وإن صعوده لا يتعلق بالهجرة أو الجريمة أو الاقتصاد الشعبوي الذي تصبو إليه الأحزاب اليمينة، بل هو مدفوع بالتطرف اليهودي والعنصرية ضد العرب في الداخل المحتل، الذي سيجد نفسه في حالة صدام دائم مع أجهزة أمن الاحتلال، ولا سيما في منطقة النقب التي تشهد عمليات هدم متواصلة لمنازل الفلسطينيين.
خلاصة القول: إن توجه المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين يدلل بشكل قاطع على ذهابه باتجاه المزيد من التطرف والعنصرية، وأما نتنياهو فسيواصل نفس السياسة التي تبناها على مدار السنوات الماضية في معاملته مع الفلسطينيين، سواء على المستوى السياسي مع السلطة بمواصلة التنسيق والتعاون الأمني دون الرجوع إلى طاولة المفاوضات، معللا ذلك بعدم وجود ممثل للفلسطينيين، وأيضاً في سياساته العدوانية على غزة المحاصرة.