فلسطين أون لاين

يقمع في سجون الاحتلال منذ 8 أعوام

تقرير الأسير عويسات.. غيابه يثقل قلب والدته التي تبحث عنه بين الوجوه

...
الأسير بهاء عويسات
غزة/ هدى الدلو:

ثمانية أعوام من الاعتقال في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بأشهرها الطويلة وأيامها الثقيلة مروا على قلب عائلة الأسير بهاء عويسات، من بلدة جبل المكبر جنوب شرقي مدينة القدس المحتلة.

فمنذ اليوم الأول لاعتقال "بهاء" لا يغيب عن مخيلة والدته، فكان يخيل لها أنه يسير في باحات الأقصى فتلحق به، وتسمع صوته ينادي عليها في البيت، فترد عليه: "آه يما يا حبيبي"، فلم تعتد غيابه، فقد كان بمنزلة سند لها في تربية أشقائه ورعاية شؤون البيت.

وكانت محكمة الاحتلال في القدس المحتلة، قد أصدرت حكمًا على الأسير عويسات (28 عامًا) بالسجن لمدة 16 عامًا، بعد أن أدانته بمحاولة تنفيذ عملية طعن.

بات يوم اعتقاله وكأن الشمس لم تأذن لنفسها بالشروق، لتخيم الكآبة على الأجواء، استيقظ "بهاء" باكرًا على غير عادته وخط على ورقة بخط يده: "أنا رايح ديروا بالكم على حالكم"، تركها على المكتب بغرفته وخرج.

تسرد والدته هند قنبر لصحيفة "فلسطين"، ذلك الموقف الذي جعلها تنهار بالبكاء: "استيقظ بعدها شقيقه الأصغر منه وقرأ الرسالة وللوهلة الأولى لم يفهم شيئًا، فأعاد قراءتها متمتمًا، ثم صرخ باتجاه غرفتي ليخبرني، اتصلت بأخواله ليحاولوا اللحاق به ومعرفة أين ذهب، لكن لا فائدة، بحثوا عنه كثيرًا ولم يجدوه".

وتذكر أن أحد الذين سألتهم عن "بهاء" إذا رأوه في المنطقة لتتمكن من تتبعه وإيجاده، قال لها: "في شاب عند المستوطنة ماسكين به الجنود وبضربوا فيه"، لم تهتم لحديثه لكونها تعرف سياسة جنود الاحتلال وإطلاقهم النار على الفلسطينيين لمجرد شعورهم بالشك.

عادت إلى بيتها وكادت الدموع أن تحفر طريقًا على وجنتيها من كثرة البكاء، وقالت لهم: "افتحوا التلفزيون خلوني أشوف كيف قتلوا ابن بطني".

كان خبر اعتقاله بشرى إلى قلبها الذي كاد ينفطر حزنًا على "بهاء" لكونها لا تعرف مصيره، تتابع حديثها: "يعتقل ويحاكم بالسجن ولا يغيب حسه ونفَسه من الدنيا، مصيرها الأيام تمشي ويطلع من الأسر ويرجع لحضني".

وتضيف: "بهاء في طفولته لم يكن طفلًا هادئًا، ولكنه ذكي، لم يكن يظهر أمامي أنه يعرف شيئًا، وعلى حين اكتشفت أن لديه علاقات كثيرة ومواقف مع الناس، كنت له الأم والأب بعد انفصالي عن والده، ولكنه حاول أن يساعدني في حمل المسؤولية، وفي إدارة شؤون البيت وأشقائه لكونه أكبرهم".

ما إن حط قدمه في مرحلة الشباب حتى بدأت شخصية بهاء تتغير، "فأصبحت شخصيته هادئة، ذات طيبة واحترام، لا تسمع صوته يصرخ، أو يفتعل المشكلات، ملتزمًا قراءة القرآن والصلاة، وفوق ذلك كله كنت لا أطلب منه طلبًا، ولا يوجد على لسانه إلا كلمة طيب وحاضر" والحديث للأم.

وتستكمل حديثها: "بت أتحدث كأمهات الأسرى والشهداء، وأدركت أن الطيب والحنون هو من يختاره الله".

قبل اعتقاله شعرت والدته بوجود مشاعر الحقد بدأت تعشش في قلبه بفعل ممارسات الاحتلال بحق أبناء شعبنا، وقتلهم الشباب والأطفال دون اقترافهم أي ذنب، والتنكيل بأهلهم وذويهم بعد استشهادهم.

في أول زيارة له بعد الاعتقال لم يقوَ بهاء ووالدته على الحديث، وتركا المجال للنظرات والدموع لتتحدث عن شوقهما لبعضها، وافتقاد كل منهما للآخر، مضيفة: "وفيما بعد أصبح بهاء حتى خلال وجوده في الأسر مطلعًا على أوضاع البيت، وهو من يتكفل بحل المشكلات التي تحدث، ويقول لي: أنتِ بس احكي مالك؟".

وعندما أصدرت محكمة الاحتلال الحكم بحقه تلجم لسانهما عن الحديث: "16 عامًا ليس بالرقم القليل على قلبي كأم، ووكلت محاميًا لعمل استئناف ليخفض من الحكم وأصبح 14 عامًا، أنتظر انتهاءهم بفارغ الصبر لأزفه عريسًا".

بات بهاء في الأسر يحقق حلمه في أن يكون محفظًا ومدرسًا للقرآن الكريم، فحصل على شهادة الثانوية العامة بعد أن كان تاركًا للمدرسة، والتحق بالجامعة وحاز شهادة البكالوريوس في التربية الإسلامية، وسيلتحق ببرنامج الماجستير.

بعد اعتقاله في باحات المسجد الأقصى ترى قنبر وجه بهاء بين أوجه الشباب لتلحق بهم حتى تتأكد أن يهيأ لها، ولا يزال في الأسر، كما تسمع صوته ينادي عليها في البيت "اه يما".