فلسطين أون لاين

تقرير محمد مرداوي.. رطوبة السجن تأكل رئتيه والفقد يؤلمه

...
الأسير محمد مرداوي
جنين – غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

23 عامًا وجدران سجون الاحتلال الإسرائيلي تأكل من عافية الأسير محمد مرداوي، حتى بات يحلمُ باليوم الذي يتحرر فيه ويتنشق هواءً عليلاً في أراضي عائلته من أشجارٍ يأمل أن يزرعها بيديْه في بلدته عرابة جنوب مدينة جنين.

أعادت ظروف الاعتقال الصعبة صحة محمد إلى نقطة الصفر ثم زادتها سوءاً بحسب شقيقه سليمان، "كان الأطباء قد استأصلوا جزءًا من رئتي محمد قبيل اعتقاله وخضع لعلاج مكثف وتعافى لكنه لا يمكنه الجلوس لفترة طويلة في الأماكن ذات الرطوبة العالية".

اقرأ أيضاً: محمد مرداوي.. أسير بـ (رئة واحدة) يواجه الموت في سجون الاحتلال

ومنذ اعتقل محمد وهو يعاني ظروفًا اعتقالية سيئة حيث تكتظ الزنازين بالأسرى، وغرف السجن لا تتوافر فيها منافذ كافية للتهوية؛ ما أدى لتدهور وضعه الصحي.

ويلفت سليمان إلى أن عيادة سجن الرملة حقنت جسده بدواء غير مناسب لحالته الصحية لعدة أشهر خلال عام 2012؛ ما أثر في وضعه سوءاً وفاقم معاناته.

وأضحى محمد القابع في سجن النقب مريضاً بالتهاب مزمن في الرئة، ويحتاج لعلاجات دوريًا، "لكن المصيبة أن إدارة السجن تقطعه عنه لفترات قد تتجاوز الشهر أحياناً بحجة عدم توفره في عيادة السجن"، تبعًا لسليمان.

ويشير إلى أن الاحتلال يمارس الإهمال الطبي بحق محمد كغيره من الأسرى خاصة المرضى منهم، "يتركونه يتلوى من الوجع في زنزانته ولا ينقلونه للمشفى إلا بعدما يصل إلى الرمق الأخير من القدرة على التحمل".

وسبق لهيئة شؤون الأسرى والمحررين أن بينت أن الوضع الصحي للأسير مرداوي (43 عامًا) يزداد سوءًا بعد إصابته بفيروس قبل خمسة أشهر. وبسبب مماطلة إدارة سجن النقب لم تُجرَ له أي فحوصات ولم يقدم له أي علاج؛ ما أدى إلى تفاقم حالته الصحية.

وبينت الهيئة أن محمد يعاني مشكلة قديمة بالرئتين، نتيجة مضاعفات بسبب إعطائه أدوية بالخطأ سنة 2012، وقبل ثلاثة أشهر أجري له تصوير إشعاعي، وبلغ بأنه يعاني التهابًا حادًّا بالرئتين وتم إعطاؤه كورتيزون.

اقرأ أيضاً: أسيران يعانيان أوضاعًا صحية صعبة جراء الإهمال الطبي

وأثّر اعتقال محمد ومرضه بشكل كبير على والديْه، "حتى إن والدتي أصرت على زيارته قبل وفاتها بأسبوع في إثر جهود قادتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر لـ"زيارة إنسانية" حيث كانت في حالة صحية خطرة جداً ونقلتها سيارة الإسعاف إلى النقب، "كانت تلك الزيارة بمثابة الوداع الأخير، أما والدنا فهو الآخر في حالة صحية صعبة عاجز عن زيارة محمد ورؤيته".

أما شقيقه الأكبر، الحاج عزام "73 عاماً" فيشعر بالأسى لعدم تمكنه من زيارة "محمد"؛ منذ ما يزيد على العام، لافتًا إلى أن وضعه الصحي لا يسمح له بزيارته كما كان في السابق، ما يجعله في حالة قلق كبيرة عليه.

ويعرب عن خشيته من ألا يسعفه العمر لاحتضان ورؤية محمد المحكوم بالسجن 28 عاماً منذ عام 1999م.

أما شقيقهما أحمد فيعتبر نفسه الأوفر حظاً بين أشقائه وشقيقاته؛ إذ التقى بمحمد مرتيْن في سجون الاحتلال، مبينًا أن المفارقة داخل السجن تجلت عندما أخذ الأسرى يهنئون محمد بدلاً من شد أزره كونه سيلتقي أخيراً بأحدٍ من أحبابه.

ويضيف: "اعتقلني الاحتلال للمرة الأولى في 2015م التقيتُ خلالها بأخي محمد، كان لقاءً حاراً جداً، ذوب كثيراً من مسافات الاشتياق، لكن ما نغص هذا اللقاء هو مرض محمد الذي يعاني بشدة عندما يكون هناك رطوبة في الجو فيصبح عاجزاً عن التنفس بشكل طبيعي ويكتفي بالجلوس على سريره دون حراك".

معاملة لاإنسانية

ويدين أحمد بشدة المعاملة اللإنسانية التي يلقاها الأسرى من قبل إدارة سجون الاحتلال خاصة المرضى منهم الذين يعانون من إهمال طبي متعمد، فلا يتم الكشف عن حالتهم الصحية بالشكل المطلوب ولا يتلقون دواءً سوى "الأكامول" في أغلب الحالات.

ويؤكد أن ظروف الاعتقال في سجن الاحتلال صعبة جداً حتى على الأصحاء، "فما بالك بالمرضى وذوي المحكوميات العالية، فقد محمد والدتي في عام 2011، وجميع عماتي وأعمامي وخالاتي وأخوالي، وباب الزنزانة لم يُفتح بعد. هذه معاناة نفسية كبيرة تزيد من حسرة الأسير في قلبه".

وفي عام 2022 التقى أحمد بشقيقه "محمد" مجدداً، حيث أُسر لمدة عام ونصف قضى نحو خمسة منها مع محمد.

يصف تلك الأشهر بأنها من أجمل أيام حياته، "كنا نتسامر طوال الليل. يفرح لكل شيءٍ أصنعه ويراه أمراً كبيراً يصله بالخارج. أتذكر حتى الآن فرحته الشديدة عندما صنعتُ له قلاية بندورة للمرة الأولى".

ورغم مرض محمد وألمه النفسي إلا أن أمله بالإفراج والعيش في الخارج كبير، إذ حدث شقيقه الأصغر عن حلمه بأن يزرع بيديه شجرات يقضي في ظلها بقية عمره.