فلسطين أون لاين

تقرير "عرين الأسود".. ضربة لمشروع التسوية والتعاون الأمني

...
نابلس-غزة/ محمد أبو شحمة:

مع كل عملية يُنفّذها مقاتلو مجموعات عرين الأسود بالضفة الغربية المحتلة، تزداد القناعة لدى الشعب الفلسطيني بعدم جدوى مشروع التسوية التي تقوده السلطة مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وبضرورة إنهاء اتفاق "أوسلو". 

وحظيت مجموعات "عرين الأسود"، بدعم شعبي كبير في مدينة نابلس، بدءًا من إيواء مقاتليه، وإخفائهم عن أعين جيش الاحتلال الإسرائيلي وعملائه، وصولًا إلى تقديم الدعم المالي لهم.

وتتكون "عرين الأسود" من مقاومي الفصائل المختلفة، ولديهم هدف واحد هو مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وتنفيذ عمليات عسكرية ضد أهداف تابعة له.

ويؤكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، حسن نافعة، أنّ تزايد العمليات بالضفة الغربية المحتلة، وظهور حركات مقاتلة كعرين الأسود بمدينة نابلس، يؤكد سقوط مشروع أوسلو، وعدم تحقيقه أيّ نتائج لصالح الفلسطينيين.

ويقول نافعة لصحيفة "فلسطين": "أيّ فلسطيني وطني يدرك أنّ مشروع أوسلو لا وجود له، وأصبح عبئًا على الشعب الفلسطيني، ولا أحد يتحدث عنه".

ويضيف نافعة: "جيل عرين الأسود، وبقية الشعب الفلسطيني، فقد الثقة تمامًا باتفاق أوسلو، لأنه تأكد أنه لن يُحقّق له أي شيء إطلاقًا".

ويُبيّن أنّ هناك رسالة ضمنية للسلطة أنّ استمرار التعاون الأمني يضر بالشعب الفلسطيني، ويُشكّل طعنة في ظهره، ولا يمكن قبول التعاون بين السلطة والاحتلال في وقت تتزايد فيه المقاومة بالضفة الغربية.

ويوضح أنّ "التعاون الأمني خيانة للشعب الفلسطيني، لذلك على السلطة أن تستوعب ذلك، خاصة أن جناحًا مهمًّا من حركة فتح يبدو أنه مشارك بالتصعيد ضد الاحتلال في الضفة الغربية، وهو ما يؤكد وجود انقسام عميق داخل فتح، وأنّ جزءًا كبيرًا منها بدأ يفقد الثقة بطريق التسوية".

ويُشير إلى أنّ ردود فعل المحتل تتسم تجاه مجموعات عرين الأسود بالعنف، ولكن كلما ازدادت جرائم الاحتلال زاد إصرار المقاومة على تحقيق أهدافها، كما فعلت ثورة الجزائر التي فقدت مليون شهيد وانتهى الوجع باستلام الاحتلال الفرنسي لمطالب الثوار.

وتوقّع نافع أن تشهد الضفة الغربية المحتلة تصاعد المقاومة، مع محاولات الاحتلال لتصفيتها ولكنها ستستمر لفترة، ولن يقف النضال الفلسطيني.

ويلفت إلى أنّ سلطات الاحتلال الإسرائيلي تشعر أنّ تكلفة بقائه أعلى بكثير من تكلفة الانسحاب والتسليم بضرورة قيام دولة فلسطينية.

ظاهرة نهوض وطني

بدوره، يرى الكاتب والمحلل السياسي، طلال عوكل، أنّ مجموعات "عرين الأسود" تُعدُّ ظاهرة نهوض وطني، من جيل الشباب الفلسطيني الذي نفض يده من منهج بحث الخضوع والتبعية للاحتلال.

يقول عوكل لصحيفة لـ"فلسطين": إنّ "هذه الظاهرة من الشباب جاءت بعد حالة اليأس من السلطة، وعدم الثقة بها، خاصة مع تزايد جرائم الاحتلال ضد الإنسان الفلسطيني، ومصادرة أرضه".

ويضيف عوكل أنّ "عرين الأسود هم مجموعة من الشباب ليس لديهم قيادات سياسية، وذلك يعطي مؤشرًا أنّ جيل الشباب الفلسطيني، بدأ يتحرك لأسباب ودوافع عديدة أهمها الانتماء للوطن وإيمانه بفشل مشروع التسوية".

ويوضح أنّ مجموعات "عرين الأسود" بدأ يظهر لها تأثير معنوي وجماهيري يتصاعد يومًا بعد يوم، وأصبح مهمًّا، حيث هناك دعم وإسناد من المجتمع الفلسطيني، وأهم مؤشراته المشاركة الشعبية خلال تشييع شهداء العرين.

بدوره، يُعرّف الكاتب والمحلل السياسي راشد البابلي، مجموعات "عرين الأسود" أنها "مجموعة شبابية ثائرة خرجت لتعبّر عن رفضها القاطع لحالة الفشل السياسي والأمني المُتّبعة من السلطة وسياستها منذ توقيع اتفاقية أوسلو".

ويقول البابلي لصحيفة "فلسطين": "بعد ثلاثين عامًا من مسار المفاوضات العبثي والتنسيق الأمني وتحت وطأة أعباء الاحتلال اليومية وازدياد سياسته العنصرية واتساع رقعة الاستيطان يومًا بعد يوم، كان لا بد من مخرج يُمثّل طوق نجاة لشعب مكلوم مضطهد".

ويضيف: "بالرغم من سياسة الترغيب التي تتبعها السلطة والترهيب التي يتبعها الاحتلال فإنّ عرين الأسود لم تراوح مكانها بل هي في حالة اتساع كبير من حيث القاعدة الجماهيرية الداعمة لهذا التوجه وتحظى بتأييد شعبي غير مسبوق، حيث باتت كثقافة شعبية أكثر منها مجموعة شباب مقاوم، لا سيّما أنها ضمّت كل من ينتمي لأيّ فصيل تحت جناحها".

ويُوضّح أنّ مجموعات "عرين الأسود" وغيرها من التشكيلات العسكرية المقاومة، شكّلت تهديدًا واستفزازًا للاحتلال، حيث لم يعد الاحتلال كالسابق يقتحم نابلس وجنين، دون مواجهته بإطلاق النار، بل إنّ الأمر تعدَّى انتظار المواجهة، إذ تُنفّذ تلك المجموعات هجمات بالرصاص الحي على حواجز الاحتلال وقطعان المستوطنين والمستوطنات المحيطة بشكل لم يسبق له مثيل".

ويقول: إنّ "السلطة تحاول في هذه الأثناء إدارة الأزمة التي أحدثتها عرين الأسود، لكنّ أزمة السلطة الحقيقية تتمثل في وجود مقاومين فتحاويين لا يخضعون للقرار الرسمي للحركة، واستطاعوا القفز عن انسداد الأفق السياسي وحساباتهم الفصائلية، واستبدالها بشراكات دم ورصاص مع مقاومين من كل الفصائل".

تشكيل عرين  الأسود

من ناحيته، يرى الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي أنّ معركة "سيف القدس" كان لها أثر حاسم في تشكيل مجموعات "عرين الأسود"، وغيرها من مجموعات المقاومة في الضفة الغربية.

ويقول عرابي لصحيفة "فلسطين": إنّ الواقع في الضفة بدأ يتغير لصالح فكرة المقاومة والمواجهة وإعادة إحياء هذه الثقافة خاصة بعد معركة العصف المأكول، التي استمرت 51 يومًا، صيف 2014.

يُضيف: "لقد تلا ذلك العديد من الهبات في القدس والضفة والداخل المحتل، وتوالت حتى استطاعت تكريس واقع نضالي جديد ضد الاحتلال؛ أدى إلى اندلاع معركة سيف القدس والتي خلقت تحولًا جوهريًّا ومحوريًّا في مواجهة الاحتلال".

ووفق عرابي فإنّ المعارك التي خاضتها المقاومة في غزة ضد آلة الحرب الإسرائيلية شكّلت إلهامًا ورافعة معنوية وتعبوية للفلسطينيين في الضفة الغربية، وجعلت المواطنين يسألون أنفسهم عن الواجب الذي يجب أن يقوموا به ومسؤوليتهم التاريخية في مواجهة الاحتلال والمستوطنين وحماية المسجد الأقصى".

ويشير إلى أنّ أي مواجهة مع الاحتلال يسعى إلى تفكيكها بخطوات متعددة، سواء بالخطوات الأمنية والعسكرية من اقتحام واشتباك واغتيال واعتقال، أو من خلال الخطوات ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي مثل حصار المدن، وهذا الأمر يلجأ إليه الاحتلال دائمًا في الأراضي المحتلة.

وتابع عرابي: "قدرة الاحتلال على تفكيك مجموعة من المجموعات المقاومة وتحييد دورها، لا يعني أنّ المقاومة انتهت، وهذا يُدلّل على أنّ القضية ليست قضية عرين الأسود؛ فهذه المجموعات جزء من سياق أكبر وأوسع مُتمثّل بحالة مقاومة متصاعدة في الضفة الغربية منذ بضع سنوات، وحالة تستجيب للإلهام الذي تمثله المقاومة بغزة، وتعكس المخزون النضالي والكفاحي لأهالي الضفة الغربية، وتعبّر عن تآكل السلطة أمام هذا الواقع".

بدوره، عدَّ المفكر والمحلل السياسي عدنان الصباح، أنّ معركة سيف القدس شكّلت منحًى تصاعديًّا مهمًّا جدًا في تاريخ فلسطين، وأثبتت وحدة المواطنين الفلسطينيين في جميع الأراضي المحتلة، بدلالة هبة الكرامة التي رافقت المعركة، وطالت أرجاء الوطن.

وبينما أكد الصباح لصحيفة "فلسطين" أنّ سيف القدس وللمرة الأولى وضعت كيان الاحتلال ومؤسّساته واقتصاده وأمنه في حالة شلل شبه تام، وأوقفت الحياة فيه، نبَّه إلى أنّ هذا المشهد لم يمر به الاحتلال من قبل، وأوجد شعورًا لدى الفلسطينيين أنه يمكن الوقوف في وجه الاحتلال وهزيمته.

وتابع: أنّ "إحساس المواطن الفلسطيني بالكرامة خلال تلك المعركة وبعدها، جعله يقف مرفوع الهامة بالمقاومة العظيمة والقادرة على أن تبدأ المعركة وتُقرّر نهايتها".