تمثّل أحد أبرز الاستنتاجات من النتائج الرسمية المُرتقبة للانتخابات الإسرائيلية التي أُجريت أول من أمس، في أن انزياح (إسرائيل)، نظامًا ومجتمعًا، نحو اليمين، وبالأساس من الناحية السياسية، بلغ على ما يبدو نقطة اللاعودة. ويوجد إجماع على هذا الاستنتاج لأسبابٍ كثيرة مُقنعة.
يدور جوهر الجدل حول ما إذا كانت (إسرائيل)، اليمينية في الوقت الحالي أيضًا، ستشهد تحوّلًا نحو ما هو أسوأ، وهذا في حال نجاح زعيم حزب الليكود، بنيامين نتنياهو، في الفوز مع حلفائه بأغلبية تتيح له إمكان تأليف حكومة جديدة، بما في ذلك مع تيار "الصهيونية الدينية" ذي الملامح الفاشية الذي يُتوقع له أن يصبح القوة البرلمانية الثالثة، أو أنها ستبقى تحت سلطة اليمين الذي يوصَف بأنه ناعم، كما عبّرت عنه حكومة الأحزاب المناهضة لنتنياهو، على غرار الحكومة الحالية المنتهية ولايتها، وهذا هو ما ستبديه بوضوح أكبر الأيام القليلة المقبلة.
وربما يكمن أهم أسباب الاستنتاج بشأن بلوغ انزياح المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين نقطة اللاعودة، في تركيبته الديموغرافية الحالية، وفي الاتجاهات شبه الحتميّة لهذه التركيبة في المستقبل، التي يظهر أن العامل الأبرز فيها سيظل تعزّز أرثوذكسيتها، على خلفية الزيادة الطبيعية في أعداد اليهود الحريديين المتشدّدين دينيًّا، فبموجب أحدث استطلاعات الرأي العام، كما نُشرت في وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن صعود قوة "الصهيونية الدينية" راجع، من ضمن أمور أخرى، إلى ارتفاع نسبة التأييد لها في أوساط الشباب الحريديين، حيث من المتوقع أن تحصل على ما نسبته 20% من الأصوات بينهم. وهو ما يُعدّ بمثابة تحصيل حاصلٍ على خلفية التحالف التاريخي الذي عقدته أحزاب اليهود الحريديين مع اليمين في (إسرائيل) منذ عام 1990.
وللعلم، تعدّ دراسة عدد المتدينين في (إسرائيل) من القضايا المختلف عليها، وهناك تقديراتٌ مختلفة لعددهم، ولتحديد صفة المتدين اليهودي عمومًا. وعلى نحوٍ عامٍّ تُقسّم المجموعات الدينية في المجتمع الإسرائيلي إلى ثلاث مجموعات أساسية: المحافظون أي أصحاب التديّن المحافظ الشعبي؛ المتدينون الأرثوذكس (الحريديين) من شرقيين وأشكنازيين؛ المتديّنون القوميون، أي أبناء تيّار "الصهيونية الدينية".
وفيما يخصّ الحريديين، لا بُدّ من ذكر أن نسبتهم في عام 2010 بلغت نحو 13.6% من المستوطنين في دولة الاحتلال. وبحسب معطيات أحد مراكز الإحصاء في معهد التخنيون في حيفا، يتراوح معدل زيادة عدد الحريديين في (إسرائيل) بين 4%-7% سنويًّا، ما يعني أنهم يضاعفون عددهم كل 10-16 عامًا. ووفقًا لتقرير صدر عام 2008 وحمل عنوان (إسرائيل) 2028، فإنه في حال استمرار المؤشّرات الديموغرافية للحريديين آنذاك في الاتجاه ذاته، فإن نسبتهم في عام 2028، ستصبح نحو 20% من المستوطنين، وسيشكّل الطلاب الحريديون الذين سيلتحقون بالصف الأول نحو 40% من مجمل طلاب الصف الأول اليهود في العام نفسه.
وفي وقتنا الراهن، تشير أحدث تقديرات مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، المعتمدة على السمات الديموغرافية الحالية لليهود الحريديين في (إسرائيل)، إلى أن نسبتهم ستصل في عام 2059 إلى نحو 35% من مجمل السكان في (إسرائيل)، في حين ستشكّل شريحة الجيل 0-19 عامًا في صفوفهم في العام نفسه ما يقارب 50% من مجمل السكان في (إسرائيل) (وليس اليهود فقط). كما توضح هذه المعطيات أن معدّل التكاثر الطبيعي للمرأة الحريدية يصل إلى 6.5%، في حين لا يتجاوز 2.9% في المجتمع اليهودي عمومًا.
بطبيعة الحال، تؤدّي هذه الاتجاهات الديموغرافية إلى استشراف سيناريوهاتٍ عديدة، سواء المرتبطة بالعلاقة مع المواطنين الفلسطينيين والقضية الفلسطينية عمومًا، أو بالشروخ الداخلية القائمة بين شتى فئات المستوطنين اليهود والمرشّحة لأن تتفاقم، مع وجوب الإشارة إلى أن وجود الحريديين في الحكومات الإسرائيلية أخيرا تسبّب بأن تتخذ تلك الحكومات سلسلة من القوانين التي تهدف إلى تعزيز أرثوذكسية المجال العمومي في (إسرائيل).