بأناملهم الصغيرة يعكفون على صناعة منحوتات من الصلصال تعكس ما يدور في خلدهم من أحلام وما يشغل بالهم من قضايا، فقد وجد هؤلاء الفتية في فن النحت متنفساً وفرصة نادرة قدمها لهم فنانون كبار، كرّسوا جزءًا من وقتهم لمنح خلاصة ما تعلموه لهؤلاء الأطفال.
التحقت شام عمار بـمركز "تجوال للفُنون" قبل عامين ووجدت متعتها في فن النحت الذي يركز على الأحاسيس، ويساعد في تشكيل شخصية الإنسان، كما تقول.
وتضيف الفتاة البالغة من العمر خمسة عشر عامًا: "خوض غمار هذا الفن، لم يكن تجربة صعبة لكنه عمل دقيق، فقبل كل لوحة نصمم "اسكتش" (رسم أولي أو تقريبي) حيث نتشاور في أفكار اللوحات سوياً، وبعد أن نرسو على الفكرة، نعمل على تنفيذها".
وتتابع شام: "إذا كان هناك معارض، نقترح لها أفكارًا ثم نبدأ بتنفيذها"، مشيرة إلى أن حبها لفن النحت يدفعها لتكريس جزء من وقتها اليومي لأجله، حتى في ذروة العام الدراسي حتى تبقى متمكنة من أساليبه وأدواته.
غير أن شام تلفت إلى صعوبة توافر المواد الخام التي لا توجد سوى في أماكن معينة في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، "لكننا سعداء بقدرتنا على ممارسة مواهبنا، حيث يمكنني استعارة أي أدوات أريدها من المركز".
فئة مهمشة
بدورها، تبين مساعدة التدريب في المركز إلهام عبد العاطي أن تعلم النحت جزء بسيط من الفنون التي يتم تعليمها للأطفال، "فالمركز فيه عدة فنانين من خانيونس، وحرصًا منهم على قيمة الفن ودوره الرسالي تجاه المجتمع يحاولون إلقاء الضوء على القضايا التي تشغل بال هؤلاء الأطفال".
وتبعًا لعبد العاطي، فإن المركز يسعى لتمكين الأطفال من المهارات الفنية للتعبير عن قضاياهم الخاصة والقضايا المجتمعية التي تتقاطع مع حياتهم، مشيرة إلى أن قلة المساحات الفنية في جنوب القطاع أتاحت فرصة لعدد كبير من الأطفال من هواة الفن لتعلمه وممارسته في مركز "تجوال".
وتوضح أن المركز ارتأى استهداف اليافعين الذين تهمشهم مؤسسات المجتمع المدني التي تستهدف عادة من هم دون سن الثالثة عشر أو الشباب.
وتقول عبد العاطي إن فئة المركز المعنية "تعاني من عدم إشباع الذات، رغم أنها أهم فترة لتشكل الشخصية والتفكير بالنسبة للإنسان".
ويعتمد العمل في المركز على جهد ذاتي من فنانين كبار يعملون على نقل خبراتهم لهؤلاء الفتية، إيماناً منهم كفنانين بدورهم المهم تجاه المجتمع، وقدرتهم على إحداث تغيير فيه، خاصة هذه الفئة التي تحتاج لجهود أكبر، كما تؤكد الفنانة عبدالعاطي.
تحرير الفن
أما المدرب في فن النحت الفنان محمد أبو حشيش، فيقول: إن مركز "تجوال" يعمل على مبدأ تحرير الفن من القيود خاصة قيود التمويل، وذلك من خلال فنانين ذوي خبرة طويلة تقارب العشرين عامًا للبعض، "نحاول خلق شيء جديد، بتمويل ذاتي منا لإحداث تغيير في المجتمع من خلال الفن".
ويلمس الفنان أبو حشيش شغفاً لدى الفتية المتدربين، بعد أن أوجد المركز لديهم أرضية وبيئة مناسبة لتعلم الفنون التشكيلية.
وتعليم النحت جزء من مجموعة فنون يتم تعليمها لفتية "تجوال" ففيه تعفروا على الأدوات وخامات الصلصال المستخدمة، وأنواع النحت وكيفية عمل تجارب هندسية أولية في البداية قبل إنجاز اللوحات، "بدأنا بنماذج نحتية لفواكه يحبونها وصولاً لنحت الحيوانات".
ويضيف: "شيئاً فشيئاً تطورت قدرات المتدربين، وسنقوم بعمل معرض لمنتجاتهم قريباً، وما يميزهم أن لديهم إرادة للتعلم، والفرق بين الفنان والمؤدي هو الموهبة، فالجميع يمكن أن يتعلم الفن، لكن أن يكون مبدعاً فذلك أمر فِطري".
برامج فنية
أما مدير مركز تجوال للثقافة والفنون كامل وافي فبيين أن المركز يعكف منذ عام ونصف على تنفيذ برامج فنية خاصة بالأطفال، تستهدف الموهوبين في الرسم والنحت والفنون التشكيلية بشكل عام، مشيراً إلى أن قرابة 40 طالبًا استفادوا ضمن برنامج فني يعتمد على رحلات في الطبيعة لتجسيدها في لوحاتهم المختلفة.
وتتيح هذه الدورات أيضاً للأطفال للتعبير عن معاناتهم وهمومهم، حيث يعلمهم المدربون الأساسيات في الفنون التشكيلية بالتزامن مع كتابة قصة عن الموضوع ذاته، "أي ينتجون من أي موضوع لوحة وقصة في الوقت ذاته".
ويقول: إن المركز ينظم زيارات لأساتذة الفنون في الجامعات الفلسطينية يأتون للاطلاع على إبداعات هؤلاء الأطفال الموهوبين الذين تتراوح أعمارهم بين العاشرة والخامسة عشرة، "وهو بمثابة بذرة لتأسيس أكاديمية فنية في جنوب القطاع".