تواجه صناعة الأحذية الجلدية في الضفة الغربية خطر الاندثار، من جراء ضعف الاهتمام الرسمي بها، وارتفاع تكاليف الإنتاج خاصة أسعار الطاقة، ومنافسة المنتجات الأجنبية المستوردة، وضعف التسويق الخارجي.
ويقول مُصنع الأحذية فضل النتشة، إن صناعة الأحذية في الضفة الغربية مع تطورها فإنها تواجه مشكلات ومعوقات تتطلب من الجهات المختصة المساعدة للحفاظ عليها كموروث تاريخي ورافد اقتصادي.
وبين النتشة لصحيفة "فلسطين" أمس، أن أبرز التحديات، هي المنتجات المستوردة التي تباع في السوق المحلي بسعر أقل من المنتجات الوطنية، منبهاً إلى أن تكاليف إنتاج المنتجات الأجنبية أقل مقارنة بالمصنعة محليًّا، إذ إن تكلفة أسعار الطاقة في فلسطين التي تعد عنصرًا رئيسًا في الصناعة مرتفعة، لأنها مشتراة من الطرف الإسرائيلي.
إقرأ أيضاً: صناعة الأحذية الجلدية بالضفة.. إرث تاريخي يواجه خطر الاندثار
ولفت إلى أن استيراد الأحذية من الخارج له بعد اقتصادي سلبي، لأنه يخفض حجم العملة النقدية في السوق المحلي.
وأكد النتشة أن الأحذية المحلية الصنع تمتاز بالجودة العالية وفترة صلاحية أطول من المنتجات المستوردة، مهيباً بالسلطة الفلسطينية والمؤسسات الأهلية والقطاع الخاص أن يعطوا جميعهم الأولوية للمنتج المحلي في العطاءات.
وقال: "ناشدنا وزارة الاقتصاد الوطني الوقوف بجانب المنتج الوطني، وطلبنا منها الإيعاز إلى وزارة الداخلية في شراء الأحذية العسكرية من المنتج المحلي، كما أخبرنا التجار بضرورة تقنين استيراد أحذية طلبة المدارس المستوردة لإفساح المجال للمنتج المحلي لكن دون جدوى".
وأضاف النتشة: "طالبنا أيضاً الحكومة بوضع تعلية على المنتجات المستوردة أو تخصيص كوتة لها، لإفساح المجال للمنتجات المستوردة، لكن مطالبنا لا تجد الاهتمام، الأصل أن تحمي الحكومة المصانع من طوفان المستورد، وأن تضع سياسة اقتصادية متوازنة، صناعتنا وطنية بامتياز، إذ إن المواد الخام محلية والتصنيع محلي أيضاً".
ويسوق النتشة منتجات أحذيته إلى دول عربية مجاورة، مثل: الأردن، والعراق، والإمارات، والسعودية، وإلى بعض الدول الغربية.
وأكد النتشة حرص المنشآت الإنتاجية في مجال الجلدية على تلبية أذواق المستهلك المحلي، بتنويع الإنتاج ليناسب مختلف الأعمار والأجناس، وإدخال موديلات عصرية حديثة.
وقال: "نحن نتتبع المستهلك، لمعرفة مطالبه، وننفذ زيارات لخارج الوطن، لجمع معلومات جديدة تتعلق بما وصلت إليه الصناعات الجلدية، ونورد إلى فلسطين المعدات والماكينات التي تساعدنا على تلبية احتياج المستهلك".
وأشار النتشة إلى ارتفاع مستوى وعي المستهلك بأهمية انتقاء المنتج الوطني، لكن ليس بالصورة المأمولة، داعياً إلى تكثيف الحملات الموجهة لتشجيع المستهلك على انتقاء المنتج الوطني.
وأكد سعيهم إلى المشاركة في المعارض المنظمة محلياً وخارجيًّا، للتعريف بالمنتج، والتشبيك مع التجار والمسوقين.
وورث النتشة "إنتاج الأحذية الجلدية" عن والده الذي امتهنها منذ عام 1948، وحافظت عائلته على المهنة التقليدية، لأنها تشكل مصدر دخل لها ولعاملين آخرين، وتقام شركة عائلته ومصنعها ومخازنها على مساحة 4 دونمات.
وبين النتشة أن الأحذية الجلدية انتقلت من الإنتاج اليدوي إلى إنتاج الآلات بعد عام 1980، ما وفر الوقت والجهد وزاد من معدلات الإنتاج.
وأضاف أن التطور لم يقتصر عند هذا الحد فحسب، بل أدخل المصنعون أجهزة حواسيب في إدارة الآلات والمعدات، خاصة آلات (cnc) التي تعد نقلة نوعية ميزت الصناعات الجلدية.
وأشار النتشة إلى أن القوة الشرائية في السوق تحكم عملية إنتاج التصنيع، فإن كان السوق بحاجة لذلك ترتفع عملية الإنتاج والعكس تماما، مشيراً إلى أن الطاقة الإنتاجية تزيد عادة في أوقات المدارس والأعياد.
في حين تطرق المُصنع فايز الزعتري صاحب أقدم المدابغ في الضفة الغربية إلى عراقيل سلطات الاحتلال أمام إدخالها الجلود من قطاع غزة، مبيناً أن حصولهم عليها يخفض من تكلفة الإنتاج.
ولفت الزعتري الذي يعمل في مجال دباغة الجلود إلى أن بعض التجار يعمدون إلى تصدير الجلود المحلية إلى الخارج طعماً في الحصول على أرباح عالية، في حين أن ذلك يؤثر في الإنتاج المحلي إذ يضطر المصنعون إلى استيراد الجلود من الخارج بسعر مرتفع.
وبين الزعتري لصحيفة "فلسطين" أن دباغة الجلود محلياً جودتها عالياً، إذ إنها تدخل في مراحل عديدة أبرزها المعالجة الكيميائية، والتلوين، والتجفيف، والحفظ لاستخدامها في الصناعة لاحقاً، مشيراً إلى أن عائلته تملك 12 مدبغة.
وحسب إحصائية حصلت عليها صحيفة "فلسطين" من اتحاد الصناعات الجلدية، فإن المنشآت العاملة في صناعة الأحذية تقلصت من 1000 منشأة إلى 150 منشأة حالياً، وعدد العاملين انخفض من 35 ألف عامل إلى 3 آلاف عامل، كما نقص إنتاج مصانع الأحذية في الضفة الغربية من 12 مليون حذاء إلى 3 ملايين حذاء سنوياً.
بدوره أكد رئيس اتحاد الصناعات الفلسطينية نور الدين جرادات، أن الصناعات الجلدية تعد من الصناعات التقليدية التي تميز فلسطين، ومن سماتها الجودة العالية القادرة على منافسة المنتجات الأخرى، والوصول إلى الأسواق الخارجية، إلى جانب مساهمتها الجيدة في الناتج المحلي الإجمالي، وتشغيلها أكبر عدد من الأيدي العاملة.
لكن جرادات أشار في حديثه لصحيفة "فلسطين" إلى تعرض هذه الصناعة في السنوات العشر الأخيرة إلى انتكاسات، بسبب معوقات داخلية وظروف خارجية.
وقال: "إن انفتاح السوق الفلسطيني أمام المنتجات الخارجية تسبب في إغراق السوق بالمنتجات الأجنبية في ظل عدم توفر قانون لحماية المنتج الوطني، حاولنا أن ننفذ عدة تدخلات، منها الطلب من وزارة الاقتصاد وعبر مؤسسة المواصفات والمقاييس أن تطبق المقاييس الفلسطينية على منتجات أحذية أجنبية مستوردة".
وأضاف: "كما عملنا مع وزارة المالية على فرض رسوم تعلية على بعض منتجات الأحذية المستوردة التي لها بديل محلي، كما أنشأنا مع اتحاد الصناعات الجلدية تجمعًا عنقوديًّا يساعد العاملين في هذه المهنة على ترويج منتجاتها وحل مشكلاتها".
ولفت إلى دورهم في الاتحاد إلى مساعدة المصنعين على تسويق منتجاتهم محلياً وخارجياً وإخراج الجلود من قطاع غزة للمصانع الوطنية في الضفة الغربية، إلى جانب تمكينهم من المشاركة في المعارض المحلية والدولية للتعرف إلى كل ما هو جديد في هذه الصناعة وعقد صفقات تجارية.