في الوقت الذي يُثار الحديث فيه عن خلاف قائم بين حكومة رام الله وهيئة التقاعد الفلسطينية، بسبب رفض الأخيرة تمرير برنامج التقاعد المبكر، يرى مراقبون اقتصاديون أن حكومة اشتية، تسعى لنقل عجزها عن خفض فاتورة رواتب موظفيها إلى هيئة التقاعد التي تعاني في الأساس فقر صندوقها من جراء استدانة السلطة المسبقة وعدم التزامها تحويل استقطاعات الموظفين.
وفي حالة بقاء الخلاف وفق موقع "المنقبون" الإخباري، رجح المراقبون تأجيل تطبيق برنامج التقاعد لعدة أشهر، أو أن تلجأ حكومة اشتية إلى فرضه على هيئة التقاعد، وإن حدث الخيار الأخير فإن الأمور ستتجه إلى مزيد من التعقيد المصاحبة لتظاهرات الموظفين الرافضة خاصة موظفي السلطة.
وحسب ما كانت تخطط له وزارة المالية برام الله وفق ما نشرت سابقًا على موقعها الإلكتروني، فإنها تسعى لإطلاق برنامج التقاعد المبكر الطوعي خلال النصف الثاني من الجاري، على أن يعقبه التقاعد المبكر الإجباري بحلول العام المقبل، والانتهاء من تنفيذه بحلول نهاية 2023، غير أن الوقائع على الأرض تشير إلى عكس ذلك، حيث اقتربنا من نهاية العام، ولم تطبق حكومة اشتية الشق الأول من برنامجها " التقاعد الطوعي".
وقال الاختصاصي الاقتصادي د. بكر اشتية، إن صندوق هيئة التقاعد الفلسطينية يعد من الصناديق السيادية التي ينبغي أن تُوظف أمواله وتستثمر بما يعود بالفائدة الاقتصادية الكبيرة، لكن في الحالة الفلسطينية الوضع مختلف.
وأضاف لصحيفة "فلسطين": الصندوق مفلس من جراء استدانة حكومات السلطة المتكرر إلى جانب عدم انتظامها تحويل استقطاعات الموظفين الشهرية، وعليه إن تخوف هيئة التقاعد من طرح برنامج التقاعد مشروع، لأن الهيئة في الأساس غير قادرة على تنفيذ مهامها بسبب تلك المعوقات، فماذا لو زاد عدد المحالين إليها؟
وأكد اشتية أن إرهاق صندوق الهيئة بتقاعدات إضافية دون موارد مالية كافية أمر بحاجة إلى إعادة نظر، ومن غير اليقين التكهن من درجة قدرة الصندوق على الإيفاء بالتزاماته، مشيراً إلى تقصير حكومة رام الله الجلي، في عدم التزامها دفع التسويات التي اتفقت عليها وهيئة التقاعد شهرياً.
اقرأ أيضا: صبحة لـ"فلسطين": حكومة اشتية "كاذبة" ولا تريد تنفيذ الاتفاقيات المبرمة معها
ويتمثل هدف وزارة المالية برام الله في إخراج 30 ألف موظف من دفاتر الرواتب التابعة لديوان الموظفين، عبر التقاعد المبكر الطوعي والإجباري بحلول نهاية العام القادم.
وحاليًّا يبلغ إجمالي عدد الموظفين العموميين 139 ألف موظف مدني وعسكري، تبلغ فاتورة أجورهم الشهرية 550 مليون شيقل وفق أرقام وزارة المالية برام الله.
من جهته، أشار الاختصاصي الاقتصادي د. نصر عبد الكريم إلى اضمحلال الحديث عن برنامج التقاعد المبكر في الآونة الأخيرة، بعد أن كان يُطرح بقوة بين حكومة اشتية وصندوق هيئة التقاعد وأيضاً في اجتماعات مجلس الوزارة والإعلام، وقال: "ربما يكون السبب هو فعلاً خلاف بين الحكومة والهيئة حول آلية تطبيق البرنامج وشروط التقاعد هي التي تحدد توزيع الأعباء، أو ربما هناك سبب آخر وراء التأجيل".
واستبعد عبد الكريم أن تفرض حكومة اشتية برنامج التقاعد على هيئة التقاعد الفلسطينية، حال إصرارها على رفض البرنامج بهيئة الحالية، لكن إن حدث ذلك فستكون النتائج وخيمة.
وقال: "إن هيئة التقاعد لديها مجلس إدارة ممثلاً عن الوزارات المختلفة، وأي تغير على المجلس حال رفض القرار يحتاج إلى موافقة رئاسية وليست حكومية، وإن حدث الإملاء على الهيئة، أعتقد ستكون ردات فعل غاضبة من الهيئة والموظفين".
وعما إذا كان طرح برنامج التقاعد لإظهار للمانحين أن السلطة تسعى لإصلاح ذاتها مالياً قال عبد الكريم: "أستبعد ذلك، كنت أحد المشاركين في نقاشات نفذتها حكومة اشتية بداية العام، وكانت تتحدث بقوة عن برنامج إصلاح مالي، وأن أحد الخيارات التقاعد المبكر الاختياري العام الجاري والإجباري العام المقبل، لأن هدفها خفض فاتورة الرواتب، لذلك لا أرى أن تداول برنامج التقاعد لإيهام المانحين فقط، وإلا فإن السلطة ستفقد ما تبقى لها من مصداقية دولية".
ولا تفصح هيئة التقاعد عن تقاريرها المالية السنوية، منذ سنوات، وعليه لا تتوفر معطيات حول الوضع المالي لها، وحجم الاستثمارات والعوائد المالية التي تتلقاها سنويًّا.
وسبق أن حذر الاختصاصي الاقتصادي د. أسامة نوفل في حديث لصحيفة "فلسطين" من أن تطبيق التقاعد المبكر يُشكل خطورة على قطاع غزة، إذ إن حكومة اشتية ستستبدل المحالين للتقاعد بموظفين جدد في الضفة دون غزة، ما سيكون لذلك انعكاس سلبي على قطاع غزة الذي يعاني وضع اقتصادي سيئ، وستكون الجهات الحكومية أمام تحدٍّ في تغطية الوظائف الشاغرة.
وأوصى نوفل الجهات الحكومية بغزة بأن تتنبه لذلك، وأن تضع سيناريوهات للتعامل مع تبعات هذه الخطة حال طبقت وتركت آثار سلبية على قطاع غزة.
وأشار نوفل إلى أن البنك الدولي تحدث عن "رضاه" عن أداء السلطة في تخفيض الإنفاق العام، الذي يأتي نتيجة توسع حكومة اشتية في القاعدة الضريبية وتخفيض النفقات التشغيلية.