من بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى، قادت الصدفة مصطفى شرف إلى طريق رياضة "الملاكمة"، فقد دخل النادي ليخسر بعضًا من وزنه الذي اكتسبه بسبب عمله لساعات طويلة خلف المِقود.
جذبت مهارات مصطفى الرياضية ولياقته وتسديداته القوية المدرب خالد عليان، فدعاه للمشاركة في بطولة "الكيك بوكسينغ" على مستوى فلسطين في عام 2018 والتي حصد ذهبيتها لأربع أعوام متتالية، فأصبح بطل فلسطين بلا منازع.
مهارات مصطفى شدت "الاتحاد الفلسطيني للكيك بوكسينغ"، فرشح للمشاركة في دورة ألعاب التضامن الإسلامي التي أقيمت في منتصف أغسطس/ آب الماضي في مدينة قونية التركية، إذ اعتلى منصة التتويج بعدما انتزاع الميدالية البرونزية في فئة فوق 91 كغم.
يقول مصطفى (30 عامًا) إنه أحب رياضة الملاكمة منذ الصغر، فكان مولعًا برياضة التايكواندو وخاض فيها عدة بطولات محلية إلى أن تركها بعد انقضاء الثانوية العامة بحثًا عن عمل يعينه على الظروف المعيشية الصعبة في القدس المحتلة، إذ يفرض الاحتلال الإسرائيلي ضرائب، ورسوم باهظة على كل شيء في المدينة.
يضيف: "عملت سائق تاكسي لكي أتمكن من توفير مصاريف عائلتي، وبسبب العمل زاد وزني بصورة كبيرة، وسبب لي صعوبة في الحركة".
ويتابع: "حينها عرض علي صديقي المشاركة في نادي لرياضة الكيك بوكسينغ، وبدأت بالتدريب حتى أعيد لياقتي وأنقص وزني، حينها أعجب المدرب بمستوى أدائي الرياضي العالي وعرض عليّ المشاركة في بطولة فلسطين للعبة، استغربت من الأمر في البداية، ولكن مع الإصرار والعزيمة استطعت تحقيق المركز الأول رغم أنه لم يمر سوى أشهر قليلة على بدايتي مع اللعبة".
لم يكتفِ مصطفى بلعب "الكيك بوكسينغ"، بل احترف رياضة "موياي تاي" وهي ملاكمة تايلندية، إذ تمكن من حصد المراكز الأولى للأعوام 2018، 2019، و2020، و2021 في عدة مستويات لرياضة، وفي 2019 انتزع المركز الأول بـ"موياي تاي".
تمثيل دولي
عام 2022 كان فارقًا بدخول مصطفى للتاريخ الرياضة الفلسطينية من أوسع أبوابه، فبعدما اعتلى عرش المركز الأول لأربعة أعوام على التوالي، اختير لتمثيل بلاده في بطولة كأس العالم "للكيك بوكسيغ" التي أقيمت في إسطنبول في مايو/ أيار من العام ذاته، إذ تنافس في البطولة 3200 لاعب من 43 دولة، من بينهم اللاعبون المصنفون في المراكز الثلاثة الأولى عالميًا.
غير أن مصطفى لم يحظَ بالتتويج الذي عمل من أجله بسبب انحياز فريق التحكيم التركي لمصلحة اللاعب التركي.
يقول مصطفى: "كان هناك انحياز واضح من لجنة التحكيم التركية لمصلحة اللاعب التركي. كانت النتيجة على الشاشة واضحة بأنها لصالحي في الجولتين الأولى والثانية، وفي الثالثة تم إنهاء النزال دون سبب".
ويردف: "قدمت اعتراضًا على تزوير النتيجة، وبالفعل تم قبولها ولكن بعد فوات الأوان وتتويج اللاعب التركي زورًا وبهتانًا، وكان الظلم قد وقع بحقي".
يستدرك مصطفى بالقول: "رغم كل ذلك إلا أن هذه البطولة زادت شهرتي، ودعوني إلى المشاركة في دورة ألعاب التضامن الإسلامي، إذ نازلت أبطال اللعبة وتاريخ احترافهم يتجاوز 12 عامًا، إذ فزت على البطل التركمانستاني بالضربة القاضية".
ويصف حصاده للميدالية البرونزية في دورة التضامن الإسلامي "بالتاريخية لفلسطين"، إذ تمكنت من تحقيق الميدالية الفلسطينية الأولى في رياضة "الكيك بوكسينغ".
يصف مصطفى نفسه بأنه هاوٍ للعبة ولم يصل إلى مرحلة الاحتراف رغم نيله العديد من الميداليات، مشيرًا إلى أن الاحتراف يتوقف على عدد المشاركات الدولية التي يخوضها.
يعمل مصطفى سائقًا في الصباح، ومساعدًا لوالدته في جمع التبرعات العينية والمادية وتوزيعها على الأسر المعوزة في القدس والضفة الغربية تطوعًا منه، وليلًا لاعبًا يجهز نفسه ليكون بطلًا دوليًا.
بعد هذه الإنجازات والبطولات التي حققها شرف إلا أن البعض يرمي على مسامعه عبارات استهزاء منه "شو جابرك تدفع مصاري علشان تنضرب"، حيث كان يشارك في البطولات التي سبقت "التضامن الإسلامي" على نفقته الخاصة دون أن يتلقى دعمًا من أي جهة.
يكافح مصطفى ويخوض غمار معركة الحياة في المدينة المحتلة ويدفع ضريبة الصمود والرباط فيها، والتي لا يقوى عليها المقدسيون كافة فإيجارات البيوت تتعدى 3000 شيقل شهريًا، بخلاف ضريبة الأرنونا، وترخيص السيارة، وغيرها من الضرائب.
وينبه إلى أن "الكيك بوكسينغ" أصبحت بالنسبة لديه "إدمانا"، حيث يفرغ فيها ضغوطات الحياة اليومية، ويحافظ على راحته النفسية.
ويشير إلى تمسكه بهذه اللعبة رغم صعوبات الحياة التي يعيشها في القدس، "لدي حلم بأن أصبح بطلًا عالميًا، يرفع علم فلسطين وأن يتردد صدى انتمائي إلى القدس في كل المحافل الدولية".
ويطالب مصطفى المؤسسات الفلسطينية بدعم الرياضات الفردية، والاهتمام باللاعبين الموهوبين وإمدادهم بالدعم المعنوي، والنفسي، والمادي، حتى يتمكنوا من تحقيق بطولات عالمية، مؤكدًا أن عقد معسكرات تدريبية خارجية مهم لرفع مستوى اللاعبين من خلال احتكاكهم بأبطال عالميين لديهم فنون وتقنيات رياضية مكتسبة.