خرج من أزقة الضفة الغربية المحتلة إلى النور عدد من الشبان المقاومين في مجموعات أطلقت على نفسها "عرين الأسود"، ليقودوا الشارع الفلسطيني خلفهم بوحدتهم، إذ وجدوا تجاوبًا منقطع النظير مع دعواتهم للتصعيد مع جيش الاحتلال الإسرائيلي أو إعلان النفير العام والإضرابات، خاصة في القدس.
واستطاع هؤلاء الشبان الثائرون اختراق جدار التنسيق الأمني الذي تلاحق السلطة عبره كل مقاوم، ومنظومة الاحتلال التي تَعدُّ على الفلسطينيين أنفاسهم، وتمكنوا من وضع موطئ قدم لهم تحت الشمس في ظروف صعبة وفي أعقد مرحلة من تاريخ القضية الفلسطينية، بحسب مراقبين ومحللين.
وخلال الأيام الماضية، شهدت أكثر مناطق الضفة والقدس إضرابًا وتمردًا مدنيًّا بدعوة من "عرين الأسود" وأهالي مخيم شعفاط المحاصر، وقد كانت الاستجابة مثار استغراب، لكون الدعوة جاءت من مجموعات حديثة التكوين.
وعن تفسير ظاهرة "عرين الأسود" وتجاوب الشارع الفلسطيني معها، يقول المحلل السياسي هاني المصري إنها تنتمي إلى جيل التضحية، وليس إلى جيل الإعداد والتحرير، فهم يؤمنون بالقتال حتى الشهادة.
ولفت المصري، في حديث له خلال ندوة نقاشية لمركز رؤية للتنمية السياسية عُقدت قبل أيام، إلى أنّ أعضاء "عرين الأسود" يرفضون لف أيٍّ من جثامينهم بعلم فصائلي، كما يبدو عليهم أنهم نظيفو اليد، غير مرتبطين بأيِّ فعل غير مقبول مجتمعيًّا كإطلاق الرصاص في الهواء أو طلب المال بالقوة، فضلًا عن أنهم ضد الاصطدام مع السلطة وأجهزة أمنها.
ورغم أنّ طابع مجموعات "عرين الأسود" دفاعي، إلا أنها اتخذت مؤخرًا طابعًا هجوميًّا عبر تنفيذ عمليات إطلاق نار، وِفق المصري، مشددًا على ضرورة عدم تحميل هذه المجموعات أكثر مما تحتمل، وذلك لأنّ موقف السلطة منها سلبي، وهي تسعى إلى إنهاء هذه الظاهرة، ولأنّ الانتفاضة الشاملة تتطلب الكثير من المستلزمات ومنها الحاضنة الشعبية الحامية وانخراط مجتمعي يشمل كل الأحزاب والفصائل.
مقاومون صادقون
وعن الاستجابة الجماهيرية لدعوات "عرين الأسود"، يقول المواطن المقدسي سليم غوانمة إنه بوصفه تاجرًا استجاب للإضراب والاستنفار العام الذي دعا إليه أفراد "العرين" لِما رأى فيهم من صدق وإخلاص وتضحية، وكذلك أهالي مخيم شعفاط الذين أبدوا صمودًا منقطع النظير، "لذلك كان يجب المؤازرة والمساندة لهم جميعًا، فنحن في خندق واحد".
وأمام ثقة الشارع الفلسطيني بمقاوميه، لا يزال الاحتلال يدرس هذه الظاهرة، فقد أوردت صحيفة "معاريف" العبرية وِفق مُعلّقها للشؤون العسكرية تال ليف رام، أنّ الاحتلال ومخابراته عاجزون عن فهم هذه المجموعة من المسلحين في منطقة نابلس، وصياغة خطوات فعالة لمواجهتها.
وبحسب الصحيفة، فإنّ منظومة "عرين الأسود" صعبة للغاية بالنسبة للمنظومة العسكرية والاستخبارية، لأنها على عكس المنظمات القائمة والمعترف بها، فهي تُشكّل مفهومًا جديدًا وغريبًا من ناحية اتّساع نطاقها، لكون المجموعات لا تعمل تحت راية معينة، بل تسعى إلى قيادة خط وطني جديد.
ويقول المواطن علي مشارقة إنه أصبح هنا ممثلًا جديدًا للشارع الفلسطيني، تستجيب له مختلف شرائح المجتمع وتأتمر بأمره بالحشد وتلبية نداءاته، بمجرد بيان مقتضب منه، مشيرًا إلى أنّ دعوته إلى الإضراب وإسناد مخيم شعفاط وجد تجاوبًا كبيرًا "وللمسألة سر بسيط؛ فحيثما وجدت المقاومة الكلّ يصطف حولها، وحيثما وجدت أوسلو والمفاوضات الكلّ يختلف عليها".
وأضاف مشارقة لصحيفة "فلسطين" أنه لا يخفى على أحد أنّ شبان "عرين الأسود" امتشقوا السلاح وشقّوا طريقًا يهابه الكثيرون، فحدود المقاومين في الضفة الغربية معروفة؛ شهادة أو اعتقال.
وأردف أنه رغم حداثة سنّ مقاتلي "عرين الأسود" وقلة خبرتهم في العمل العسكري والتنظيمي المُحكم، إلى جانب معضلات الواقع بين "فكي كمّاشة" الاحتلال والسلطة، أصرَّ هؤلاء الشباب على مواصلة الدرب وتعاهدوا على تصويب أسلحتهم ضد الاحتلال فقط، صاهرين انقسام الواقع السياسي، مُشكّلين حالة ثورية قلَّ مثيلها.
ويرى الطالب بجامعة النجاح زاهر دويكات أنّ سر نجاح مقاتلي "عرين الأسود" هو أنّ أرواحهم يحملونها على أكفِّهم، بعيدًا عن الحزبية، فلوا كانوا تابعين لحركة مقاومة كحماس لانقضّت عليهم أجهزة أمن السلطة، خاصة أنّ السلطة تعتبرها خصمًا.