فلسطين أون لاين

بين عامي 1967 و2021 هُدمت 550 منزلًا

تقرير ما بعد الهدم القسري.. تشتُّت الأسر مأساة تعيشها العائلات المقدسية

...
القدس المحتلة-غزة/ فاطمة الزهراء العويني:

لم يذُق المواطن المقدسي محمود أبو دياب (80 عامًا) طعمًا للاستقرار والراحة، منذ اضطره ظلم الاحتلال الإسرائيلي إلى هدم بيته بيده، إذْ لم يجد منذ ذلك اليوم مأوىً له ولزوجته المسنة، ما اضطره إلى استصلاح غرفةٍ وحيدة بقيت له من منزله وكان يربي فيها الطيور والدجاج والعيش فيها إلى أن يأتي "الفرج".

فمنذ هدم المسن أبو دياب منزله قسريًّا في الحادي عشر من فبراير/ شباط الماضي وهو يعيش حالة من التشتُّت والضياع، ينتقل للعيش عند أبنائه المتزوجين بعض الوقت فيما سكنت زوجته لدى أهلها، "لكن الحقيقة أنه لا يمكن للإنسان أنْ يعيش مرتاحًا في هذا العمر حتى لو عند أهله أو أبنائه".

كان لا بدّ بالنسبة لأبو دياب من البحث عن مأوى له ولزوجته المسنة، ولكن القدرات المادية له لا تسمح له بالاستئجار أو شراء منزلٍ جديد، إلى أن خطرتْ بباله فكرة استغلال غرفة كان يربّي فيها الطيور والدواجن كانت ملحقة ببيته الذي أضحى أثرًا بعد عين.

فدخْلُ المسن أبو دياب عبارة عن ثلاثة آلاف شيقل شهريًّا يسدد منها قرابة 18 ألف شيقل هي ما تبقى من قيمة المخالفات التي أوقعها الاحتلال بحقه بدعوى "عدم الترخيص" لبيته المهدوم، يقول: "اختفى البيت والأثاث وبقيت المخالفات، لا يوجد لدي سوى سريرَين من الحديد أنام عليهما أنا وزوجتي، وألحقتُ بالغرفة مطبخًا صغيرًا وحمامًا، وأنا غير قادر على فرشها حتى اللحظة".

استنزاف مالي

وحتى ركام منزله المهدوم لم يستطِع أبو دياب إزالته حتى اللحظة لكون الأمر مكلفًا ماديًّا، يقول: "لم أستطع الذهاب لمكانٍ آخر غير القدس، فأنا أموت إذا خرجتُ منها، فأنا منذ ولادتي لا أعرف لي وطنًا غيرها".

ولم يكن الحال بأفضل عند المواطن المقدسي وليد أبو ادهيم من جبل المكبر الذي شتّت الهدم شمل عائلته، يقول: "كنتُ أعيش أنا وأبنائي الثلاثة المتزوجون في طابقيْن مكونين من أربع شقق سكنية، ولكن الاحتلال أجبرنا على هدم مأوانا بيدنا، لقد كانت أقسى لحظات حياتنا".

ولم تنتهِ تبعات الهدم الذي تمّ في الرابع عشر من سبتمبر عام 2020م بالنسبة لأبو ادهيم وعائلته، "لقد تفرقت العائلة فقد استأجرنا أربع شقق في عدة مناطق في القدس، حاولنا ونحاول إعادة بناء المنزل لكن الاحتلال يرفض منحنا ترخيصًا حتى اللحظة".

لقد كان المنزل المهدوم يؤوي عشرين فردًا من عائلة أبو ادهيم هم اليوم مشتتون بين أربعة بيوت ويدفعون "دم قلبهم" كإيجارات أقلها 2500 شيقل شهريًّا، "لقد بات العودة لبيتٍ واحد معًا أمرًا شبه مستحيل".

ولا تعاني عائلة أبو ادهيم فقط من التشتُّت وندرة الاجتماعات العائلية بعد أن كانت يومية، بل إنّ أفرادها أصبحوا "مطحونين ماديًّا" بين الإيجارات والمخالفات الباهظة التي ما زالوا يسددونها حتى اللحظة "لقد تبقى 13 ألف شيقل من تلك المخالفات، والاحتلال لا يرفعها عن المقدسي حتى وإنْ أصبح البيت سرابًا".

ومنذ احتلال شرقي القدس عام 1967 هدمت سلطات الاحتلال نحو 2146 منزلًا، وفق بيانات مركز المعلومات الفلسطيني. في حين يفيد المركز بأن عدد المنازل التي هُدمت قسريًّا بأيدي مُلاكها المقدسيين تحت تهديد السلاح والغرامات المالية بلغ عددها بين عامي 2006 – 2021 أكثر من 550 منزلًا.

أضرار نفسية

مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري، يؤكد أن سلطات الاحتلال نفسها قائمة منذ نكبة 1948 على سياسة هدم البيوت والقرى والمدن الفلسطينية وإحلال مستوطنين بدلًا من سكانها.

ويقول: "يُعد الهدم من أشد العقوبات ضراوةً التي يوقعها الاحتلال بحق الفلسطينيين وبخاصة المقدسيين؛ وذلك لأن امتلاك بيتٍ في القدس أمر في غاية الصعوبة".

ويضيف: "ليس من السهل أبدًا أن يجد المقدسي نفسه وقد فقد كل شيء مرة وحدة؛ أمواله وشقا عمره وأحلامه ومستقبله ومستقره، خاصة إذا اضطر إلى هدمه بيده عنوة تحت تهديد السلاح والغرامات المالية التي تعتبر من أنكى العقوبات التي يوقعها الاحتلال بحق المقدسي وتترك آثارًا نفسية بالغة الصعوبة عليه وعلى أسرته".

ويشرح أن المقدسي يكرّس حياته وجهده من أجل بناء يؤويه هو وأطفاله، يكلّفه الحصول عليه مبالغ طائلة ولفًّا ودورانًا في أروقة محاكم وبلدية الاحتلال، ثم فجأة يُضطر إلى هدمه بذريعة عدم الترخيص.

ويجعل نظام التخطيط التقييدي والتمييزي حصول المواطنين الفلسطينيين على تراخيص البناء التي تشترطها سلطات الاحتلال أمرًا في حكم المستحيل، إذ تخصّص نسبة لا تتعدى 13% من مساحة شرقي القدس للبناء الفلسطيني.

وتستمر تلك الآثار النفسية السيئة –وفق الحموري- باستمرار عجز المقدسي عن إيجاد مأوى آخر لعائلته وعدم قدرته على إعادة بناء البيت، في حين يبقى يسدد ديون البناء، ومخالفات الاحتلال لعدة سنوات.

وفي بعض الحالات يُضطر المقدسيون إلى التكدُّس في منزل واحد كمنزل العائلة، حتى باتت البلدة القديمة بالقدس من أكثر المناطق اكتظاظًا بالسكان، يقول: "المقدسيون هنا حوّلوا بعض الحوانيت لمنازل بعد أن هُدمت بيوتهم، ولم يتمكنوا من إيجاد مأوى آخر لارتفاع قيمة الإيجارات الجنوني".

المصدر / فلسطين أون لاين