في منتصف الجدار الجنوبي لسوق القطانين، إلى الغرب من المسجد الأقصى مباشرة، يجذب المار في حارات القدس القديمة باب خشبي شاهق يعلوه قوس حجري مزين بنقوش وكتابات، منها نقش على شكل دائرة بداخله كأس، في دلالة على وجود حمامي العين والشفاء الأثرين في خان تنكز المملوكي.
كان الخان الذي يطل سطحه على جزء من قبة الصخرة الذهبية، محطة يستريح بها التجار والحجاج والعلماء الذين يقصدون المدينة المقدسة، ويبتون فيه ويديرون تجارتهم من خلاله، وكما يمكن للزوار تلقي الدروس في المدرسة التنكزية.
ينسب هذا الخان إلى الأمير سيف الدين تنكز الناصري نائب الشام، أحد كبار رجالات الدولة المملوكية، وأشهر نوابها وأكثرهم عمرانًا، خاصة في سلطنة الملك الناصر محمد بن قلاوون، بدأ هذا المجمع بالبناء بإشرافه ومتابعته عام ١٣٣٧م.
تبين المرشدة السياحية المقدسية جهاد أبو ارميلة أن خان تنكز عبارة عن مجمع تجاري ضخم، مساحته 723 مترًا مربعًا، مشيرة إلى أن المجمع روعي في تخطيطه وهندسته توفير المرافق اللازمة لأداء وظيفته التجارية، وما يرتبط بها من شؤون العاملين في هذا المجال الحيوي، وما يتعلق بوسائل نقلهم وسلعهم وتأمين ما يلزمهم من خدمات.
وتذكر أبو ارميلة لـ"فلسطين" أن الخان يتألف من طبقتين، ويتوصل إليه عبر باب يقع في الجهة الشمالية من الخان، يؤدي إلى ممر مستطيل الشكل يقوم على أحد جانبيه، وفي الجانب المقابل إسطبل واسع للدواب، ويغطي الغرف والإسطبل سقف برميلي، ثم يؤدي الممر المستطيل إلى ساحة مكشوفة، في الجهة الشرقية فيها عدد من الغرف كانت تستعمل لعلف الدواب، أما الطابق الثاني فيتألف من مجموعة من الغرف التي كانت تستعمل لمبيت وإقامة العاملين في الشأن.
وتوضح أن الخان أجمل أسواق القدس، مسقوف الطابق الأول فيه حوانيت تابعة لدائرة الأوقاف الإسلامية اليوم، والطابق العلوي استخدم قديمًا نزلًا للتجار الذين يزورون المدينة، لافتة إلى أن الهدف من إقامة الخان هو دعم المدرسة التنكزية الواقعة بالقرب من باب السلسلة، بحيث يعود ريعه للمدرسة وطلبتها.
وتفيد بأن الخان حظي بأهمية اجتماعية حيث حرص تنكز الناصري على بناء حمامين داخله وهما حماما الشفاء والعين، ويحتويان على غرف متنوعة بين باردة ومتوسطة الحرارة وعالية الحرارة التي تحتوي على بلاطة تعطي حرارة للفرد.
وبعد عمل استمر خمس سنوات، افتتحت جامعة القدس في يوليو/تمّوز 2018 حمام العين بعد تأهيله وترميمه.
وتلفت المرشدة السياحية إلى أن الحمامين أقام فيهما المقدسيون مناسباتهم الاجتماعية بقيا يعملان حتى أغلقتهما سلطات الاحتلال في عام 1980. وفي عام 1998 عملت جامعة القدس على إعادة تأهيل أحد مباني الخان الذي استخدم سابقاً ككنيسة ومنجرة ثم كمخزن للمواد وحولت جزءاً منه مركزًا لدراسات القدس يتبع للجامعة وما زال فاعلًا حتى اليوم.
أكاديمية للسياح
اليوم الخان فارغ من الحركة والحياة، كما يبين المرشد السياحي المقدسي خضر نجم، مشيرًا إلى أن الحجج الشرعية تحفل بالكثير من المعلومات المتعلقة بالخان ودوره الرائد وإرادته ووجوه استغلاله وتعميره.
ومن ذلك، كما يبين خضر، اثنتان وثلاثون دكاناً في سوق القطانين تتبع الخان، غير أن معظم محلات السوق الذي حمل اسمه من الأقمشة القطنية والحريرية يعمل منها فقط 55 محلًا تباع فيها التحف والهدايا التذكارية والحلويات والعصائر
ويوضح نجم لـ"فلسطين" أن الاحتلال يجبر أصحاب المحال على إغلاقها مدة الأعياد اليهودية حتى يتمكن المستوطنون من أداء طقوسهم "التلمودية" في تلك المنطقة.
ويقول خضر إن الخان الذي يشهد جولات سياحية عديدة على مدار العام، يعد أكاديمية علمية تدريبية لتعليم الأجانب اللغة العربية، ويعقد فيه برنامج الماجستير للدراسات المقدسية.
ويختم حديثه: "أحرص خلال جولاتي مع السائحين الأجانب أن أتعمد إدخالهم من باب الخليل الذي يبدأ من عنده خان تنكز، وأظهر لهم عظمة عصر المماليك والعثمانيين، وحضارتهم التي كانت تخدم سكان القدس وزوارها وليسوا مستعمرين يهدمون ليغيروا معالم المدينة كما يفعل الاحتلال الإسرائيلي".