فلسطين أون لاين

ارتدين "تاج العزة" وصنعن من الحزن نصرًا

تقرير أمهات الشهداء.. ماجداتٌ أنعشن فلسطين بقطعة من روحهن

...
غزة/ يحيى اليعقوبي:

تحدت والدة الشهيد محمد الدخيل ألمها وحزنها، وسارتْ بين جموع مشيعين يزفون ابنها شهيدًا يرددون "خلي الشهيد بدمه.. ألف تحية لأمه" ويواسون صبرها بعباراتٍ أخرى "يا أم شهيد نيالك.. ياريت إمي بدالك".

وصلت إلى نعشه، وألقت نظرة وداعٍ على كفن ابنها ووضعت النعش على كتفها وسارت معهم متماسكة صابرة، تزفه عريسًا وتحنيه بدموعِ عينيها، في لحظةٍ استمدت فيها تماسكها من جبال "النار" في نابلس، ثم رفعت بندقيته في يدها للأعلى وكأنها تجدد مع المشيعين عهد المقاومة، وتسلمهم راية لطالما رفعها محمد الذي استشهد في 8 فبراير/ شباط الماضي، توصيهم بالسير على دربٍ سلكه شهيدها.

صورة مشرقة

هذا المشهد يتكرر كثيرًا، لأمهات الشهداء اللواتي صنعن من لحظاتِ الحزن انتصارًا، وهي تتنازل عن قطعة من قلبها وفلذة من كبدها لأجل فلسطين الوطن الأم، صبرن وتحملن ليعيش أبناء الشعب الفلسطيني بحرية، يدركن أن ثمن الحرية غالٍ.

بعذوبة ابتسامة رقراقة في خضم الألم والحزن، أشرق بها وجه أم الشهيد إبراهيم النابلسي وهي تحمل نعشه، أظهرت نموذجًا جديدًا للأم الفلسطينية الصابرة المحتسبة، لم تبكِ وإن كان قلبها ينزفُ دمًا.

سنَّت النابلسي "سنَّة عزة" تجلت فيها أعظم معاني الثبات، باستبدال صور الانكسار بصورةٍ نصر، كررت نفس الطريقة والدة الشهيد وسيم خليفة، وغيرها من أمهات الشهداء.

تقدم أمهات شهداء فلسطين بطولات وصورا من الثبات والصمود تنحني لها الهامات فخرا وحبا واعتزازا، لكن محافظ مدينة نابلس إبراهيم رمضان ابن نفس المحافظة التي خرجت منها صورٌ مشرقة صنعتها والدة النابلسي والدخيل وغيرهن من أمهات الشهداء، وصف تلك التضحية بـ "الانتحار".

وقال رمضان: "هناك أمهات شاذة أرسلت أبناءها لتنفيذ عملية الانتحار، ويعتقد الناس أنها أم مناضلة، لكنها ليست أم من ترسل ابنها للموت"، على حد تعبيره.

يملأ الغضب صوت والدة الدخيل وهي ترد على "تطاول محافظ نابلس على أمهات الشهداء"، تقول لصحيفة "فلسطين: "محمد منذ صغره وهو يتعلم حب الدفاع عن الوطن، وحب فلسطين حتى كبر على ذلك وقاتل الاحتلال حتى ارتقى شهيدًا، لكن أبناء المحافظين وهؤلاء المسؤولين يهربون خارج البلد ولم يقدموا شيئًا، ثم يتهموننا بالشواذ".

تضحية كبيرة

والدة الشهيدين رعد وعبد الرحمن خازم، ودعت ابنيها بكلمات صابرة محتسبة ممتلئة بالإيمان تستودعهم المولى عز وجل، صابرة على ما أصابها، وتحمد الله على نيلهم شرف الشهادة، في لحظة ارتدت هي "تاج عزة" بأن أصبحت أم شهيدين.

لم يكن ذلك إلا نهاية رحلة تربية تحملت فيها مشاق الحياة أرضعت فيها أبناءها كرامة وعزة حتى أصبحا من أعلام شهداء فلسطين، تقول ابنتها وعد لصحيفة "فلسطين": "ربت أمي إخوتي الشهيدين حتى تفرح بهم كأي أم، لكنها ضحتْ بأحلامها لأجل الوطن، فهي تعيش الآن في وضعٍ غير مستقر، ملاحقة ومطاردة متواصلة لأبي، سرق منها الأمان، تعيش في خوف من المجهول في كل يوم".

ترد خازم على تصريحات رمضان قائلة: "لو لديه القليل من العلم بالدين لما قال ما قاله، فكلامه يدل على جهله أو تطبيعه مع الاحتلال، إخوتي وجميع الشهداء يقاتلون من أجل الوطن ليعيش أمثاله بحرية، إنهن صانعات المجد لفلسطين"، مطالبةً إياه بالتخلي عن الجنسية الفلسطينية.

وتضيف خازم: "رسالتنا لشعبنا بأننا شعب ويد ووجع وهدف وقضية واحدة، فنريد أرضًا حرة دون جود احتلال عليها، وأرواح أبنائنا تهون تجاه ديننا ووطننا".

قلبٌ راضٍ

بينما كانت أم عبد الرحمن صبح تصلي الفجر في 24 يوليو/ تموز، بدأتْ أصوات الرصاص تتعالى، فرفعت يديها إلى السماء تدعو أن يحفظ المولى المقاومين، ولم تكن تعلم أن ابنها عبد الرحمن يخوض اشتباكه الأخير.

أرسلت أم عبد الرحمن رسالة لابنها وكأنَّ حدثًا داخليًا في قلبها يخبرها بحدوث شيء له: "عبود إذا أنت بخير، ابعت رسالة طمني عليك"، عاشت ساعات من القلق والترقب وهي تنتظر أي خبر يثلج صدرها حينما لم يرد على رسالتها، حتى زفَّ إليها شهيدًا بعد ساعات محمولاً على الأكتاف.

كانت تستعد صبح لأن تفرح بزفاف ابنها بعد شهرين، لكنه زف شهيدًا، وقدمته لفلسطين بـ"قلبٍ راضٍ محتسب، على ما أصابها".

قبلها قدمت خطيبة ابنها نموذجًا جديدًا، عندما خيرتها المحكمة بعد استشهاده أن تكتب "مطلقة أم زوجة شهيد" فاختارت أن تكون "زوجة شهيد"، وقالت له قبل استشهاده عندما أراد الانفصال عنها خشية استشهاده بعدما اشتدت مطاردة الاحتلال له "راح أضلني معك على الموت".

ترد أمه في حديثها لصحيفة "فلسطين" على تصريحات المحافظ الذي قفز عن كل ما سبق: "هذا الإنسان لا يصلح أن يكون محافظًا، هو شخص ليس لديه وطنية، المشكلة أن من يمثل المدينة يحمل هذه الفكرة، وهو لا يعلم أن ابني فلذة كبدي وقطعة مني سبقتني إلى الجنة، كنت أنتظر اليوم الذي سأفرح فيه قبل أن يأتيني شهيدًا، صعب عليه أن يفهم هذه المشاعر".

المصدر / فلسطين أون لاين