بقلق كبير يراقب الشاب محمد زيدان الأخبار عن تدهور صحة والده نزار (60 عامًا)، فهو يدرك صلف الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يولي أي أهمية لصحة أو حياة أي أسير فلسطيني، ويتجلى ذلك في إصراره على اعتقال المئات منهم بالرغم من حالتهم المرضية الصعبة.
وأشد ما يخشاه الشاب الثلاثيني ألا تُسعف الحالة الصحية لأبيه الأسير منذ قرابة عشرين عاماً لأنْ يُكمل محكوميته، وأنْ يُحرم احتضانه منذ أن غادر بيته في قرية بير نبالا شمال غرب القدس المحتلة.
لا يعول محمد على محاكم الاحتلال لتنظر بإنسانية في حالة والده المحكوم بالسجن 37 عامًا منذ عام 2002، "لقد دفعتُ مبالغ مالية طائلة لعدة محامين منذ تدهور صحة والدي، ليحاولوا تخفيف الحكم عن والدي أو إعادة محاكمته، لكن دون فائدة، فـ(إسرائيل) لا تنظر بعين الإنسانية لأي أسير فلسطيني".
أصبحت كلمة "الله يفك أسر والدك"، تثير شجونًا في نفس محمد، آخر العنقود في أسرة زيدان، فقد مضت السنوات وتزوج وأنجب طفليْن ولم يحدث شيءٌ جديد على صعيد وضع والده في الأسر، بل إنّ أبناءه محرومون زيارة جدهم كما حُرم هو منه منذ نعومة أظفاره.
يقول: "الاحتلال لا يعد الأحفاد من أقارب الأسير، ولا يسمح لهم بزيارته (..) وأنا الوحيد في أشقائي الموجود في فلسطين، لذلك فإن والدي متشوق جداً لرؤية أبنائي".
الذكريات التي يحملها "محمد" عن والده خلال السنوات التسع التي عاشها معه، هي المداهمات المستمرة للاحتلال للمنزل واعتقالهم له عدة مرات، حيث قضى قبل اعتقاله الأخير ثماني سنوات متفرقة في سجون الاحتلال.
أمراض متعددة
ويعاني الأسير نزار، وفق نجله محمد، مرضَ "الحميدية" الذي أفقده أربعة من أسنانه الأمامية (حيث ينتقل الالتهاب من سن لآخر) وارتفاع ضغط الدم، "وتدهورت صحته بشكل كبير بعد حقنه بإبرة مضادة لمرض "إنفلونزا الخنازير" كما ادعت إدارة سجون الاحتلال، فأصيب بـ"ديسك" في ظهره، وتوقفت رجله اليسرى عن الحركة لفترة طويلة، كما أنه خضع لثلاث عمليات قسطرة للقلب، وعملية قلب مفتوح.
ولم يتبقَّ لنزار زيدان خارج السجن سوى زوجته وابنه محمد، حيث تعمدت زوجته إرسال ابنه البكر إياد للدراسة في الخارج، عندما هددها أحد ضباط الاحتلال عند اعتقال زوجها بأنه سوف يحرمها منه أيضاً.
وبعد سنوات قليلة لحق شقيقه "جهاد" به إلى الخارج، ثم تزوجت شقيقتهم آلاء أيضاً في الغربة، في حين بقي محمد الوحيد الذي يزور والده أحياناً ويُمنع أمنياً في أحيان أخرى.
يقول محمد: "يحاول والدي التحامل على آلامه حين نزوره، حتى لا يشغل بالنا، لكن هيئته توحي بعكس ذلك، فقد بانت ملامح الهرم عليه بشكل كبير".
ورغم كل الآلام التي أصابت جسد الأسير زيدان فإنه تمكن من اجتياز الثانوية العامة، ومن ثم البكالوريوس في العلوم السياسية، وهو حالياً يعكف على دراسة الماجستير في التخصص ذاته.
ولكن السجن رغم كل ذلك يسرق سنوات عمر الأسير زيدان في ظل تعنت الاحتلال وإهمال السلطة الفلسطينية ملف الأسرى، وخاصة المرضى منهم، ما يجعل حلم الإفراج عنه هو وأمثاله من الأسرى المرضى لا يمكن أن يكون إلا بصفقة تبادل، وفق قناعة ابنه محمد.