تبدو مسألة خلافة عباس إحدى (أهم المعضلات) التي تواجه كلًّا من: الأمريكيين، والإسرائيليين، وبعض الأنظمة العربية المعنية؛ وذلك نظرًا لاعتبارات متعددة منها ما هو متعلق بالوضع الفلسطيني عامةً وموقف القوى والفصائل الفلسطينية من هذه القضية، وما هو متعلق بالوضع الفتحاوي الداخلي، فضلًا عن موقف رئيس السلطة نفسه الذي وعلى الرغم من تقدمه في السن وظروفه الصحية المتدهورة وعدم قدرته على قيادة السلطة كما السابق، فإنه ما زال "متشبثًا بكرسي" الرئاسة ولا يتصور إمكانية المغادرة الطوعية، أو حتى إزاحته في تلك الظروف، لذلك وفي مرات عدة يحاول إثبات أهليته للحكم ويقدم ولاء الطاعة باستمرار للاحتلال وللإدارة الأمريكية خشية من أن يجد نفسه خارج اللعبة.
وقد هاجمت إحدى الصحف الفرنسية مؤخرًا رئيس السلطة محمود عباس ووصفته (بالمتسلط الاستبدادي) مشيرة إلى أنه بدأ يفقد سلطته وجاء وفق صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية أنه في حين أن خياراته الإستراتيجية أضعفته، وانتُقد بسبب زلَّاته وتجاوزاته "الاستبدادية"، فإن خلافة الرئيس الفلسطيني، البالغ من العمر 87 عامًا، تبدو غير مؤكدة، ومع ذلك ما يزال قائدًا يصعب التخلي عنه خاصة في نظر الإسرائيليين، ما قالته الصحيفة يظهر مدى أهمية الضمانات الأمنية التي يقدمها عباس لقيادة الاحتلال، وعدم استعداده لترك السلطة قريبًا، لكن ذلك كان سببًا في ممارسة ضغوط أمريكية وإسرائيلية وعربية عليه خشية من (انهيار السلطة) من بعده أو احتدام الخلاف الأمر الذي سيجر الساحة الفلسطينية لمزيد من الفوضى وفق تقديرهم، وهذا بدوره سيشكل مهددًا لأمن الاحتلال.
لذلك تحرك عباس ومارس "لعبة ذكية" عبر تعزيز موقع أحد المقربين منه (حسين الشيخ) وهو أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ومسؤول التنسيق مع الاحتلال، وأحد الأمناء المقربين، وتربطه علاقات قوية بالاحتلال والإدارة الأمريكية وبعض الأنظمة العربية، ويتبنى المسار الحالي الذي رسمه عباس سواء في الرؤية السياسية أو غيرها من المواقف، وقد أراد من خلال هذه الخطوة: 1- تهدئة روع الأطراف المعنية، 2- تجاوز الضغوط الإقليمية والدولية والالتفاف عليها، 3- قطع الطريق على خصومه سواء من كوادر فتح أو القوى الأخرى، 4- تأمين نفسه جيدًا وحماية مصالحه ومصالح ذويه ومقربيه من كل النواحي.
وقد ظهر ذلك مؤخرًا عبر ممارسة حسين الشيخ لبعض مهام الرئيس، واستقباله للوفود الدولية، وتحركه في زيارات خارجية نيابة عن الرئيس، واقتياده لاجتماعات مركزية، فضلًا عن ظهوره الدائم إلى جوار عباس في الاجتماعات الهامة وفي جولاته الخارجية، وقد ذكرت صحيفة هآرتس العبرية، بأن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير "حسين الشيخ" سيتوجه إلى الولايات المتحدة؛ لعقد جولة اجتماعات مع كبار المسؤولين الأميركيين، في أول زيارة لمسؤول فلسطيني منذ 5 سنوات لعقد مثل هذه اللقاء وبحسب الموقع، فإن الشيخ سيلتقي بمستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ونقل الموقع عن مصادر إسرائيلية وفلسطينية قولها، إنه على الرغم من أن الزيارة لا علاقة لها مباشرة بالتصعيد الأمني في الضفة الغربية، فإن محاولة منعها ستطرح في المحادثات.
هذه الزيارة دليل إضافي على أن عباس رسم مسارًا خاصًّا ليكون حسين الشيخ البديل إن أصبح "المنصب شاغرًا" وهي مقدمة لإعطائه شرعية من الإدارة الأمريكية حتى وإن كان جدول الزيارة أو ما نقل عنها يشير لموضوعات وملفات أخرى، لكن خطوة رئيس السلطة لا ترضي كلًّا من: القوى والفصائل الفلسطينية، ولا تحظى بتأييد من قيادات وكوادر حركة فتح، وقبل ذلك كله جماهير شعبنا في كل مكان، فالشعب الفلسطيني وقواه الحية ترفض (الوصاية والإملاء) وتعارض بشدة تنصيب "كرزاي جديد" على الشعب الفلسطيني، وتطالب بالاحتكام لصندوق الانتخابات لتجديد شرعية مؤسسات السلطة، على يرى كوادر وقيادات حركة فتح بأن "حسين الشيخ" لا يستحق هذا المنصب وغير مؤهل لذلك، وفي الحركة من هو أحق منه بقيادة السلطة، خصوصًا أنه لا يمتلك قاعدة جماهيرية داخل التنظيم، وقد يهدد امتيازات ومصالح القيادات الحالية حال وصوله للرئاسة.
لذلك فإن الحديث عن أن منصب الرئيس القادم حسم لشخصية "حسين الشيخ" هي مغامرة فارغة حتى وإن حاول عباس فرضه حاليًّا ومهد له الطريق كأمر واقع؛ فالشعب الفلسطيني وقواه الحية هو صاحب القرار وأي محاولة عكس إرادة شعبنا ستكون بلا معنى وبلا قيمة، وعليه فإن "المسار الصحيح" هو بانتخاب رئيس شرعي للشعب الفلسطيني عبر انتخابات عامة حرة ونزيهة ولا أكثر من ذلك ولا أقل، ونقول لمن يتسابقون حاليًّا لنيل شرعيات أمريكية وإسرائيلية وعربية (حظًّا أوفر) ومحاولاتكم ستبوء بالفشل حتى لو جمعتم شرعيات الأرض، وما عليكم سوى توفير الوقت والجهد على أنفسكم والاستيقاظ من عالم الأحلام وانتظار ما سيقرره الشعب الفلسطيني وحده.