وقفت المرابطة نفيسة خويص أمام مستوطن حاول الاعتداء عليها في أثناء مرورها قرب باب السلسلة، تحاول الدفاع عن نفسها، لكن ثلاثة من جنود الاحتلال أحاطوا بها من كل جانبٍ، وتركوا المستوطن المعتدي يذهب برفقة آخر.
زمجرت الجندية الإسرائيلية بصوتها على المرابطة التي وقفت بصلابة في وجهها، ورفعت المقدسية بيدها إشارة التحذير للجندية ترد عليها بنبرةٍ قوية هزت فيها جبروتًا هشًّا حاولت إظهاره المجندة المسلحة سرعان ما تلاشى أمام صاحب الحق: "أنا بروح لحالي، حرة أنا، أنت روحي من هان.. أنا أكبر منكِ ومن حكومتك".
لم تتمكن المرابطات المبعدات من الصلاة بالمسجد الأقصى، لكنهن أدين صلواتهن في أقرب نقطة يستطعن فيها الوصول للمسجد، وداخل الأقصى كان صوت المرابطات بالتكبير يعلو أمام المستوطنين المقتحمين، لم يسكته إلا اعتداءات كانت تشنها قوات الاحتلال عليهن في أثناء التكبير.
المبعدات عن الأقصى
لا يبعد منزل المرابطة عايدة الصيداوي (60 عامًا) سوى عشرات الأمتار عن المسجد الأقصى، لكنّ الاحتلال الذي أبعدها عن المسجد منذ 15 مارس/ آذار الماضي، وانتهت مدة الإبعاد في 15 سبتمبر/ أيلول الجاري، جدّد لها أمر الإبعاد بعدما كانت في توقٍ للأقصى، ليحرمها من "صلاة شوقٍ" داخل أسواره، ومن الرباط داخل المسجد خلال الاقتحامات الإسرائيلية.
ورغم هذا الحرمان وصلت الصيداوي هي وعشرات المرابطات، فجر أمس أمام باب حطة، لكنهنّ لم يسلمن من اعتداء وتنكيل جنود وشرطة الاحتلال، تقول لصحيفة "فلسطين" عما عاشته أمس: "بعدما صلينا طردنا الجنود من أمام الباب، فذهبنا لباب الساهرة، وطردنا، وذهبنا لباب السلسلة لكننا طُردنا وأُبعدنا خارج البلدة القديمة، لكننا لم نبتعد ولن نبتعد وسنبقى مرابطين ونصلي على أسواره رغم أمر الإبعاد".
تقوم المبعدات بالصلاة في طريق المجاهدين وهي أقرب نقطة يستطعن الوصول إليها للمسجد، خاصة صلاتي المغرب والعشاء، مؤكدةً أنّ "الاحتلال لم يثنهم عن المسجد".
اقرأ أيضا: رباط المقدسيات بالأقصى يثير قلقًا في أوساط الاحتلال
ورغم الهالة الكبيرة التي حاول الاحتلال إظهارها عن حجم الاقتحامات وبأنها ستكون بالآلاف، ومحاولة زرع الخوف في نفوس المرابطات إلا أنّ أعدادهم كما رأتها الصيداوي وبُثّت عبر مقاطع الفيديو "كانت قليلة، وهذا بفضل صمود المرابطين وأهل القدس ومساندة كل من استطاع الوصول للمسجد من الضفة الغربية والداخل المحتل".
وأمام حالة الإسناد التي يرفدها أهالي الداخل المحتل بالرباط، اعترضت قوات الاحتلال فجر أمس الحافلات المتوجهة من الداخل للأقصى، ومنعت دخول عدد من أهل الداخل إلى الأقصى، في محاولة لإضعاف وجودهم والمرابطين في باحاته، وتأمين اقتحامات المستوطنين بالتزامن مع بدء الأعياد اليهودية.
أُبعدت الصيداوي التي ظلت تجاور الأقصى منذ 40 عامًا، ويقع منزلها بالقرب من باب الحديد، عن الأقصى عشرات المرات، وداهموا بيتها مرات عديدة، وعاث الاحتلال فيه خرابًا، وسُجنت ثلاث مرات، إلا أنها لا تعرف الهدوء أو الصمت عندما يُنتهك الأقصى، فدائمًا يعلو صوتها أمام الجنود والمستوطنين، مردفةً بعزيمة: "أنا صاحبة الأرض ولا أخشى الاحتلال".
وتتعمد سلطات الاحتلال إبعاد المرابطات عن المسجد الأقصى لعدة شهور بهدف معاقبتهن وحرمانهن من الوصول إليه، في محاولة لكسر عزيمة ورباط المقدسيات، اللواتي سرعان ما يعدن لباحات الأقصى مع أول يوم من انتهاء الإبعاد.
حناجر لا تتوقف عن التكبير
داخل المسجد لا تتوقف حنجرة أم محمد شيوخي (55 عامًا) هي وجموع المرابطين عن التكبير أمام أفواج المستوطنين المقتحمين ورفع إشارة النصر.
تتحدث الشيوخي لصحيفة "فلسطين" عن بعض مما عايشته داخل المسجد أمس خلال الاقتحامات قائلة: "الاقتحامات كانت متتالية، لكننا في المقابل بقينا على شكل مجموعات، سلاحنا الدعاء والتكبير والصوت، وتلاوة القرآن".
تضيف: "في المقابل يحاول جنود الاحتلال إبعادنا لعدة أمتار عن مسير المستوطنين لتسهيل مرورهم، لكنهم لا يستطيعون إسكات صوتنا".
من الاستفزازات التي كانت الشيوخي شاهدة عليها، اعتقال الاحتلال لأربع مرابطات وتسليمهنّ أمر إبعاد، سحب الكراسي من أسفل مسنة كانت تتلو القرآن فسقطت على الأرض ولم تستطع النهوض إلا بمساعدة المرابطات، في نفس الوقت قامت أعداد كبيرة بالاعتداء على المرابطة زينات عويضة وتسع مرابطات أخريات بالتزامن مع اقتحام الأقصى من جماعات متطرفة.
يحاول الاحتلال بهذه الإجراءات دفع المرابطات لمغادرة المسجد أو لثنيهنّ عن دورهنّ الذي بات شوكة في حلق مخططاته، بهدف الاستفراد به وهذا ما لا تقبل به الشيوخي كما لا يقبل به أيّ فلسطيني: "هم بعيدون عن الأقصى بُعد السماء عن الأرض، دماؤنا وأرواحنا رخيصة لأجل الأقصى نفديه بأنفسنا ولا يمكن أن نسمح للاحتلال بالاستفراد به (..) كل ما نقدمه هو شيء بسيط من واجبنا تجاه الأقصى في التصدي للمستوطنين والمقتحمين".