عرف الشيخ العلامة يوسف القرضاوي، الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أنه واحد من أبرز المدافعين عن قضية فلسطين، فقد أفرد لها مساحة واسعة في خطابه الديني والإسلامي السياسي، مؤكدًا على الدوام حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
ظل القرضاوي في كل مناسبة يؤكد أن قضية فلسطين هي قضية الأمة، ينتهز أي فرصة وأي مناسبة إسلامية أو وطنية فلسطينية لتأكيد أهمية قضية فلسطين.
فمنذ بواكير شبابه وجد العلامة الشيخ يوسف القرضاوي نفسه منخرطا في أعمال ونشاطات تناهض المشروع الصهيوني في فلسطين، الذي كانت بدايته في "وعد بلفور، وزير خارجية بريطانيا، الذي وعد اليهود في العالم بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين".
موقف مبدئي صارم
يستذكر القرضاوي تلك البدايات في مذكراته (ابن القرية والكتّاب.. ملامح سيرة ومسيرة) فيقول: "كانت قضية فلسطين من قديم، أولى القضايا التي تشغل فكري وقلبي، ومنذ دخلت المعهد الديني في طنطا 1940م، وجدت نفسي أسيرا مع الطلبة في 2 نوفمبر من كل عام، احتجاجا على وعد بلفور".
ويتابع سرده لتلك الذكريات حاكيا ما نما لعلمه فيما بعد من "أن الطلبة الذين كانوا يقودون هذه المسيرات ويلقون الخطب النارية، والقصائد الثورية، كانوا من طلبة الإخوان المسلمين، "وعندما كنت في السنة الثالثة الابتدائية، بدأت أشارك بإلقاء الخطب، وإنشاد القصائد، والمشاركة في قيادة المظاهرات اللاهبة، والهتاف الصاخب بحياة فلسطين وسقوط الصهيونية".
اقرأ أيضا: مشاهد تاريخية من زيارة يوسف القرضاوي لمنزل أحمد ياسين
وبعد استعراضه لمحطات تاريخية مهمة ومفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية، أكدّ القرضاوي موقفه المبدئي الصارم منها بقوله: "هذه نظرتنا إلى قضية فلسطين: إنها قضيتنا، وليست قضية إخواننا، ونحن نساعدهم، وهذه هي النظرة الإسلامية الصحيحة، وكم حاول بعض الذين لا يعلمون أن يثنوا أعناقنا عن هذا الموقف بقولهم: إن أصحاب القضية لا يعتنون بها مثل عنايتكم.. وأنا أقول لهم: إنكم مخطئون، نحن أصحاب القضية، ولسنا غرباء عنها، أو دخلاء عليها".
ارتباط مبكر
ووفقا للداعية والباحث الشرعي المصري، الدكتور محمد الصغير فإن "الشيخ القرضاوي ارتبط بقضية فلسطين مبكرا، وزارها في نهاية الخمسينيات، وصلى بأهل غزة شهر رمضان، كما احتلت مساحة من كتبه ومؤلفاته المتنوعة، وأفردها بكتاب حمل عنوانه نظرة الشيخ إلى قضية المسلمين المركزية الأولى (القدس قضية كل مسلم).
ولفت الصغير في حديثه لموقع عربي 21، إلى ما جاء في مقدمة رسالة الشيخ تلك، التي أفصح فيها عن غرضه من كتابتها: "إننا في هذه الصحائف نريد أن ننبه الغافلين، أن نوقظ النائمين، أن نُذكر الناسين، أن نشجع الخائفين، أن نُثبّت المترددين، أن نكشف الخائنين، أن نشد على أيدي المجاهدين، الذين رفضوا الاستسلام، وتحرروا من الوهن، وصمموا على أن يعيشوا أعزاء، أو يموتوا شهداء... إن القدس ليست للفلسطينيين وحدهم، وإن كانوا أولى الناس بها، وليست للعرب وحدهم، وإن كانوا أحق الأمة بالدفاع عنها، وإنما هي لكل مسلم أيا كان موقعه، حاكما كان أو محكوما، متعلما أو أمّيّا، غنيا أو فقيرا، رجلا أو امرأة، كل على قدر مكنته واستطاعته".
كما شارك الشيخ القرضاوي بقوة في المؤتمرات والفعاليات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية، وكانت فتاوى الشيخ هي المرجع الأساس في كفاح الشباب الفلسطيني وجهادهم، وهو ما عبروا به عن ذلك أمامي خلال زيارته إلى غزة في 13 مايو 2013 برفقة 40 شيخًا من علماء المسلمين.
وعرف الشيخ القرضاوي بموقفه الشرعي الثابت من التطبيع، حيث أفتى فجاءت كل فتاويه المتعلقة بمقاومة المحتل ووجوب تحرير الأقصى والأسرى في منتهى الوضوح، ولا تحتمل أي لبس، واستمرت نبرتها ووتيرتها متصاعدة خلال الخمسين سنة الماضية، مؤكدة منع كل أشكال التطبيع مع المحتل، "وفتواه في نجاسة يد كل من صافح بيريز بلغت شهرتها الآفاق"، كما يؤكد الشيخ الصغير.
شمولية فلسطين
ويقول الكاتب الفلسطيني سري سمور، إن القرضاوي لم يتحدث عن فلسطين من زاوية إقليمية أو ترويجية لأي نظام عموما؛ "فأنت تجد عالما ما يتحدث عن فلسطين والمسجد الأقصى وأهميته، ثم يسترسل مؤكدا دور دولته أو رئيسها وجيشها ومؤسساتها أو حتى شعبها في نصرة فلسطين، ما يحيل مسار الحديث إلى اتجاه آخر، هو ترويج سياسي واضح (...) ولكن القرضاوي ظل يتحدث عن فلسطين باسمه بصفته عالما من علماء الأمة بعيدا عن الترويج للأطر الرسمية وحتى الحزبية".
ويضيف سمور في مقال له تحدث فيه عن موقع القرضاوي من القضية الفلسطينية، أن موضوع العمليات الاستشهادية خلق نوعا من الانقسام أو التحفظ عند العديد من مشايخ السلفية بعكس القرضاوي وعدّها في حينه من أرقى أعمال الفداء والتضحية في سبيل الأرض والعرض والمقدسات".
ولم يقتصر اهتمام الشيخ القرضاوي بقضية فلسطين على الخطب والفتاوى والدعاء على المنابر، بل تعداه إلى رعايته المباشرة لمؤسسات وأنشطة وفعاليات دعم مادي؛ مثل (ائتلاف الخير) ومؤسسة القدس الدولية وتنظيم حملات تبرع ودعم جلبت تعاطفًا في ظل الأزمات الاقتصادية التي تفجرت مع اندلاع انتفاضة الأقصى.
وعمل الشيخ القرضاوي على إعادة تأسيس الوعي إزاء العلاقة والنظرة إلى اليهودية وفصمها عن العلاقة والنظرة إلى الصهيونية، في الفكر الإسلامي الحركي وفي الثقافة الشعبية العربية والإسلامية بعامة.
وعُدت آراؤه هذه أهم تنظير إسلامي إزاء النظرة إلى (إسرائيل) واليهودية والصهيونية في نصف القرن الأخير، وظل يردد أن المعركة بيننا وبين اليهود "ليست من أجل عقيدتهم بل من أجل الأرض التي اغتصبوها وشردوا أهلها، ولا يزال الاحتلال إلى اليوم يعمل عمله في التقتيل والتدمير والتخريب وهذا هو سبب المعركة بيننا، أما اليهود بصفتهم يهودا فليس بيننا وبينهم معركة".
"نشيد العودة"
وأفرد الشيخ القرضاوي لفلسطين مساحة في شعره، حيث كتب ثلاث قصائد، منها "نشيد العودة" التي يقول فيها:
أنا عائد، أقسمت إني عائدُ *** والحقُّ يشهد لي، ونِعْمَ الشاهدُ
لغة الدِّما لغتي، وليس سوى الدِّما*** أنا عن فنون القول أغلقت الفما
يا إخوتي هبُّوا ليوم الموعد *** هذي يدي، فضعوا يديكم في يدي
لا تذكروا لي الأمس نحن مع الغد *** ولنا صلاح قدوة، فلنقتد
وفي قصيدته "ثورة لاجئ" يقول:
إني حييت ليومٍ لا مردَّ له *** للثأرِ للدمِ لاستردادِ أوطاني
لأستعيدَ فلسطينا كما غُصِبَت *** بالدم لا بدموعٍ أو بتَحْنانِ
لأزرعَ الأرضَ ألغاما أفجرُها *** نارا على من بها بالأمس أصلاني
لأحملَ المِدفعَ الجبارَ أطلقه *** في صدرِ مَنْ قتلوا أهلي وإخواني
لأنزعَ الدارَ والأرضَ التي نهبوا *** من كل لصٍّ ونهَّاب وخَوَّانِ
لأُرجعَ القبلةَ الأولى مُطَهّرةًّ *** من كلّ قردٍ وخنزيرٍ وشيطانِ