لم يكن شعار "الأقصى في خطر" الذي أطلقه الشيخ رائد صلاح قبل أكثر من ربع قرن من الزمن إلا رؤية استشرافية سديدة للمخاطر التي يتعرض لها المسجد الأقصى المبارك في مواجهة مخططات يهودية تلمودية، بدأت عمليًّا مع احتلال المسجد الأقصى قبل خمس وخمسين سنة، لتتكشف اليوم وبجلاء خيوط المؤامرة الإسرائيلية الخبيثة التي تهدف إلى هدم أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وإقامة معبد يهودي تقام فيه صلوات تلمودية يهودية، في حين يُحرم المسلمون من الوصول إلى مسجدهم المقدس أو الصلاة في باحاته.
تصاعد الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد الأقصى مع دخول موسم الأعياد اليهودية في الخامس والعشرين من أيلول الحالي بدءًا بما يسمى رأس السنة العبرية، واستمرارها حتى السابع عشر من تشرين الأول المقبل بما يُطلق عليه "عيد العرش"، إنما يهدف إلى إضفاء صبغة دينية يهودية على اقتحامات المسجد الأقصى، حيث أقدم عضو الكنيست الإسرائيلي المتطرف "سمحا روتمان" على تدنيس مقبرة الرحمة الإسلامية التي تضم رفات الصحابة الكرام، وذلك تحت حماية جنود الاحتلال بعد قرار أرعن اتخذته محكمة صهيونية، لتنطلق في إثره حفلة نفخ الأبواق اليهودية، وهي طقوس توراتية تعبر بوضوح عن أهداف الاحتلال ومستوطنيه بتهويد المدينة المقدسة والمسجد الأقصى.
لم تتوقف جريمة المحتلين الصهاينة على نفخ الأبواق التوراتية في محيط المسجد الأقصى، بل تعدتها إلى اقتحام الكهنة والمستوطنين الصهاينة لباحات المسجد الأقصى بلباس أبيض توراتي يعبر عن "لباس التوبة" وفق شعائرهم التلمودية المنحرفة، في ممارسة عملية للطقوس الدينية اليهودية، وأداء صلواتهم التلمودية داخل الحرم القدسي، في الوقت الذي أسرف جنود الاحتلال المدججون بالسلاح في إجراءاتهم القمعية، واعتداءاتهم الوحشية على المرابطين والمرابطات العزّل في المسجد الأقصى المبارك.
استغلال كيان الاحتلال موسم الأعياد اليهودية، وتصعيد العدوان الإسرائيلي ضد المسجد الأقصى المبارك في هذه الأيام، يشيران إلى إصرار إسرائيلي على المسارعة في تهويد المسجد الأقصى المبارك، وفرض التقسيم الزماني والمكاني في باحاته، ظنًا من المحتلين أن انشغال دول العالم بالأزمة الروسية الأوكرانية المتصاعدة دوليًا، واختلال حالة الاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة العربية، وهرولة النظم المنبطحة في المنطقة نحو التطبيع مع الاحتلال، إنما توفر غطاءً لتنفيذ المخططات الإسرائيلية التهويدية، وتحقيق الأحلام والخزعبلات التوراتية بهدم المسجد الأقصى وإقامة معبد يهودي مكانه وفق الخرافة اليهودية.
فلسطينيًا يحاول الاحتلال كسر شوكة المقاومة الفلسطينية التي وفرت في مايو 2021م إيّان معركة سيف القدس الحماية بالقوة الصاروخية للمقدسيين، وألجمت جيش الاحتلال آنذاك عن تنفيذ مخططاته التوراتية في المسجد الأقصى المبارك، واليوم يظن الاحتلال واهمًا أن الشعب الفلسطيني يقف وحده في ميدان المواجهة، متجاهلًا اضطراب أرض الضفة والقدس تحت أقدام جنوده ومستوطنيه، وتململ فلسطينيي الداخل باتجاه الثورة على الاحتلال، وضاربًا عرض الحائط بإنذارات المقاومة، وتصعيدها من نبرتها التحذيرية من مغبة ارتكاب الاحتلال أي خطوة حمقاء قد تشعل المنطقة العربية برمّتها.
وبالنظر إلى تصاعد انتهاكات الاحتلال للمسجد الأقصى نجد أن الأحزاب الصهيونية كافة تعمل على توظيف الأعياد اليهودية، وتسويق الجرائم الصهيونية، ولا سيما الاقتحامات المتكررة لباحات المسجد الأقصى ضمن دعايتها الانتخابية السوداء، وتعمل على استعراض قوتها السياسية والعسكرية ضد الفلسطينيين ومقدساتهم الإسلامية ضمن إستراتيجية سفك الدم الفلسطيني لحصد الأصوات الانتخابية في انتخابات الكنيست مطلع تشرين الثاني المقبل.
إننا وإذ نؤكد أن المسجد الأقصى اليوم يواجه مخاطر حقيقية، فإننا نؤمن إيمانًا جازمًا بأن الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية لن يتخلوا عن أرض فلسطين، وسيبذلون الغالي والنفيس دفاعًا عن أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وما تحذيرات المقاومة الفلسطينية للاحتلال، والنداءات التي أطلقتها شخصيات فلسطينية وازنة، وفي مقدمتها خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، والبيانات التي أعلنتها مؤسسات إسلامية كبرى أكدت فيها دعم القدس والمسجد الأقصى في مواجهة التهويد المتواصل، وفي مقدمة تلك المؤسسات ملتقى علماء الأمة الذي يضم العشرات من المؤسسات الشرعية والفقهية التي تمثل آلاف العلماء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها في دلالة واضحة على حيوية شعوب الأمة العربية والإسلامية، وإصرارها على الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك رغم تخاذل الأنظمة الرسمية عن واجباتها ودورها في حماية مقدسات المسلمين.