تكفل المادة 50 من اتفاقية جنيف الرابعة والمادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حق الشعوب تحت الاحتلال في الحصول على التعليم الذي يتماشى مع معتقداتهم وحماية ثقافتهم وتراثهم من التغيير أو التشويه.
غير أن ما يجري في شرقي مدينة القدس المحتلة يخالف ذلك تماما، إذ يواجه القطاع الأكثر حيوية في حياة الفلسطينيين سياسات تعليمية تشير إلى رغبة إسرائيلية بتدجين الأجيال الفلسطينية.
يبرز في صدارة تلك السياسات، العمل على تغيير المناهج التعليمية، وحذف أجزاء منها، وتعدد الجهات المشرفة على التعليم المقدسي، والحد من بناء المدارس والغرف الصفية، والإهمال المقصود للبنية التحتية للمدارس.
مرجعيات وتحريف
ويبين الأكاديمي والباحث في شؤون التعليم في القدس زيد القيق أن أكبر مشكلة يعانيها التعليم في شرقي القدس تعدد المرجعيات المشرفة عليه، حيث يدرس 45% من الطلبة في المدارس التابعة لبلدية الاحتلال الإسرائيلي في القدس.
وتفيد معطيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني للعام 2020م-2021م، بوجود 51 مدرسة للأوقاف الفلسطينية تضم 10851 طالبًا، بنسبة 12%، و84 مدرسة خاصة عدد طلبتها 33684 طالبًا بواقع 37.9%، و6 مدارس تديرها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين تضم 1053 طالبًا بنسبة 1.2%.
وتظهر المعطيات أن عدد المدارس التي تتبع للتعليم الإسرائيلي وبلدية القدس، 74 مدرسة تضم 40573 طالب بما نسبته 45.6%، يضاف إليها 23 مدرسة تعرف باسم مدارس المقاولات (شبه حكومية إسرائيلية يديرها أفراد نيابة عن المعارف الإسرائيلية/ سلطة التعليم) تضم 2734 طالبًا و3.1%.
ويوضح القيق أن هذه المدارس تدرس الطلبة الكتاب الفلسطيني المحرف الذي تعاد طباعته من قبل سلطة التعليم الإسرائيلية في مطابع البلدية، ويخضع للحذف والتشويه من بلدية الاحتلال، حيث يُحذف شعار فلسطين والعلم الفلسطيني ودروس وأبيات شعرية وفقرات وكلمات وأسئلة وآيات قرآنية ورموز وطنية، وكل ما يتحدث عن القضية الفلسطينية وجيش التحرير الفلسطيني وحق العودة، والمستوطنات والمستوطنين والحواجز والانتفاضة والقرى المدمرة واعتبار الصهيونية حركة سياسية عنصرية، والنضال، وغيرها من المحذوفات التي تمس الهوية الوطنية الفلسطينية.
ويشير إلى أن حكومة الاحتلال تساوم على بناء مدارس كاملة، وغرف صفية، وساحات وملاعب بتدريس المنهاج الإسرائيلي، إذ كانت نسبة الطلبة الذين يدرسون المنهاج الإسرائيلي في الصف الأول في العام الدراسي 2017-2018 ما يقارب 9%، وارتفعت إلى 16.5% في العام الدراسي 2020-2021، وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
ويوضح القيق أن الطلبة الذين بدؤوا مسيرتهم التعليمية ضمن مسار المنهاج الإسرائيلي، سيكملون كل سنوات تعليمهم حتى التخرج من المدرسة ضمن هذا المسار، منبهًا إلى أن المدارس التي تطبق المنهاج الإسرائيلي تعاني سوء جودة التعليم، ومشكلات في ضبط ومتابعة الطلاب.
الجدار العنصري والحواجز
وعلى صعيد آخر، حرم جدار الفصل العنصري والحواجز العسكرية الثابتة والطيارة مئات الطلبة والمعلمين من حرية الحركة والوصول إلى مدارسهم، ولم يقتصر الحرمان على حَمَلة هوية السلطة الذين يسكنون ضواحي القدس فحسب، بل شمل كذلك حَمَلة هوية الزرقاء التي تعطي المقدسيين صفة المقيمين في مدينة القدس لا حق المواطنة.
وتشير المعطيات إلى أن 11% من الطلبة و32% من المدرسين يضطرون لاجتياز الحواجز العسكرية من أجل الوصول إلى مدارسهم في القدس، ويخضعون للتفتيش في الذهاب والإياب.
ووفقًا للباحث القيق، فإن أضرار الحواجز تبرز في تأخر وصول المعلمين والطلبة إلى مدارسهم، ما يؤدي إلى تشويش العملية التعليمية، ويلحق ضررا بمستوى التحصيل الدراسي للطلبة، ومن هنا تبرز ظاهرة التسرب من المدارس أو تركها نتيجة عدم انتظام الدوام يوميًا.
ويلفت إلى أن توقيف المعلمين والطلبة على الحواجز وتعريضهم للتفتيش والانتظار، يلحقان بهم ضررًا نفسيًا واجتماعيًا نتيجة الإهانة والصراخ والشتم، أو منعهم من دخول القدس.
ويفيد القيق بأن سلطات الاحتلال تجبر المقدسيين على تدريس أبنائهم في المدارس الموجودة في داخل القدس، وإلا فقدوا الهوية الزرقاء، والتأمين الصحي، ليكون شكلا من أشكال الابتزاز الاقتصادي.
يذكر أن "الكنيست" الإسرائيلي أقر قانونا يسمح بإغلاق المدارس التي تدرس الكتب الفلسطينية "التحريضية"، وتحويلها إلى مبانٍ خدماتية تتبع لبلدية القدس.
ظاهرة التسرب
وفي هذا الإطار، يفيد رئيس لجنة أولياء الأمور في حي الثوري، عادل غزاوي بأن المدارس تعاني التسرب، وتسجل النسب الأعلى بين طلبة الصف العاشر بنسبة فاقت 40%، بسبب تناقص الغرف الصفية التي تضم هذه المرحلة، فيضطر الكثير منهم إلى الذهاب للمدارس الخاصة.
وينبه إلى أن الكثير من الطلبة تعاني أسرهم وضعا اقتصاديا صعبا وتعيش دون خط الفقر، فيضطرون لترك مدارسهم للالتحاق بسوق العمل.
وتشير المعلومات المتوافرة من تقرير الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية (PASSIA) إلى أن (13%) من طلاب مدارس القدس يتسرّبون من مقاعدهم الدّراسية كل عام بالمقارنة بـ (1%) فقط في مدارس غربي القدس الإسرائيلية، أما في المدارس التي تتبع بلدية الاحتلال ومعارفها فتصل نسبة التسرب إلى حوالي 50% في المرحلة الثانوية.
أما الأصعب الذي يواجه المقدسيين، وفق غزاوي، فهو ظاهرة تفشي المخدرات التي يتم ترويجها أمام سلطات الاحتلال دون أي تدخل يذكر، إلا إذا حاول المروجون الوصول إلى الأحياء اليهودية، إذ يقدر عدد المتعاطين بأكثر من 29 ألفا، وهم في سن الشباب الذين خرجوا من التعليم والتحقوا بسوق العمل.