يواجه النظام التعليمي في القدس أحد أهم وأخطر التحديات التي يتصدى لها المجتمع المقدسي الذي ينفرد بخصائصه تبعًا لخصوصية الواقع الذي تعيشه المدينة المحتلة، وهو فرض المنهاج الإسرائيلي على جميع مدارس شرقي المدينة.
ويسعى الاحتلال منذ سنوات لأسرلة المناهج في القدس، من أجل تغيير المفاهيم والألفاظ العربية حتى يجرد الإنسان الفلسطيني من وعيه وهويته وانتمائه الوطني، للسيطرة على كل ما يتعلق بالعرب بهـدف محـو الهوية العربية من ذاكرة الأجيال الفلسطينية.
تزوير وبتر
وتبين مديرة وحدة شؤون القدس بوزارة التربية والتعليم الفلسطينية ديما السمّان أن المحاولات الإسرائيلية لأسرلة المناهج بدأت منذ إكمال احتلال القدس في 1967م، بفرض المنهاج الإسرائيلي على جميع مدارس القدس، ولكن المجتمع المقدسي قابلها بالرفض التام، ولإحباط تلك المحاولات سحب أولياء الأمور أبناءهم من المدارس.
وتبين السمان لـ"فلسطين" أن الاحتلال فرض تطبيق منهاجه على المرحلتين الابتدائية والإعدادية تمهيدا لإعداد الطلبة للثانوية العامة الإسرائيلية "البجروت"، وهذا ما أدى إلى انتقال عدد كبيـر مـن الطـلاب مـن المدارس التابعة لوزارة المعارف الإسرائيلية وبلدية الاحتلال إلى المدارس الأهلية والخاصة.
واستندت سلطات الاحتلال في ذلك إلى قانون الكنيست الإسرائيلي رقم (564) لعام 1968 الذي نص على وضع كل مؤسسات قطاع التعليم في القـدس تحت إشراف الاحتلال.
وتلفت السمان إلى أن بلديـة الاحتلال اضطرت إلى إعادة المنهاج الأردني في المدارس الرسمية ومدارس البلدية في المرحلة الثانويـة عام 1972 شريطة تدريس مساقي اللغة العبرية ومدنيات (إسرائيل).
أساليب أسرلة التعليم
وتذكر أنه تم فتح مدارس الأوقاف الإسلامية لاستيعاب هؤلاء الطلاب جنبًا إلى جنب مع المدارس الأهلية والخاصة، ومنذ ذلك الوقت يتبع أساليب مختلفة لفرض المنهاج الإسرائيلي.
ومع تطبيق المنهاج الفلسطيني في المدارس الفلسطينية، عادت قضية السيطرة الإسرائيلية على التعليم بشراسة وهاجموا المناهج الفلسطينية، وكانوا يشطبون باللون الأسود كل ما له علاقة بالانتماء الوطني، بداية من شعار فلسطين، وأي كلمات داخل النصوص، كشهيد، ونضال، وغيرهما، وفقًا للسمان.
وتضيف: "بعد سنوات أصبحت سلطات الاحتلال تعيد طباعة الكتب الفلسطينية، وتبتر النصوص أو تتركها ورقة بيضاء فارغة، ولاحقًا أضافوا مواد أخرى تُماشي السياق المعرفي الإسرائيلي".
وإذ تؤكد السمان أن هذا البتر يؤدي إلى تشويه وإعاقة فهم الطالب للمنهاج الفلسطيني لأن العملية التعليمية تراكمية، تشير إلى أن الجامعات الإسرائيلية لا تعترف بشهادة الثانوية العامة لدارسي المنهاج الفلسطيني؛ ولا تسمح لهم بالالتحاق بها مباشرة إلا بعد اجتياز امتحان القياس للقبول في الجامعات الإسرائيلية، الذي يلقي على الطالب مهمّة التحضير والاستعداد لامتحان "البسيخومتري".
محو الانتماء
من جهته يقول رئيس لجنة أولياء الأمور المركزية في القدس، زياد شمالي: هناك محاولات إسرائيلية كبيرة للسيطرة على التعليم في القدس، "فالتعليم يعكس حالة سياسية، حتى أن المنهاج في شرقي القدس يختلف عنه في الأراضي المحتلة عام 48 فهو يركز على ترويج الرواية الإسرائيلية أكثر، لإخراج جيل بعيد عن قضيته ومفاهيمه الإسلامية".
ويضيف شمالي أن أساليب أسرلة التعليم تتعدى ذلك إلى برامج تعليمية غير منهجية تدعو إلى قبول الآخر المحتل بوصفه إنسانًا عاديًا، بخلاف الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي للاحتلال ومستوطنيه.
وينبه إلى أن تلك السياسات تؤدي إلى نشأة بيئة تعليمية متدنية، وانخفاض مستوى التحصـيل لـدى الطلبة، وانخفاض مستوى تأهيل المعلمين، وعدم تطبيـق إلزاميـة التعلـيم أسـوة بالمـدارس الإسرائيلية غربي مدينة القدس، كما تتفشى في هذه المدارس ظاهرة انتشـار المخـدرات بـين صفوف الطلبة تحت بصر سلطات الاحتلال.
وعرج شمالي على المشكلات المادية التي تعانيها مدارس شرقي القدس، إذ تستخدم بلدية الاحتلال في القدس الأزمات المالية وشح الميزانيات التشغيلية وسيلة للضغط والقبول بالسياسات التعليمية اليهودية من خلال الدعم المالي المشروط الذي يوفر أرضية للتدخل في سياسات التعليم في مدارس القدس الفلسطينية والخاصة.
فلسفة تربوية جديدة
وفي ورقة بحثية بعنوان: "الوعي العام للشباب الفلسطيني في مدارس شرق القدس" للباحثة رهام زهد، أظهرت أن تطبيق المنهاج الإسرائيلي في المدارس الفلسطينية بشرقي القدس، وبخاصة العلوم الإنسانية، كالتاريخ والجغرافيا والمجتمع، يهدف إلى غرس مفـاهيم جديدة تعبر عن فلسفتها التربوية، فأهداف التعليم ومناهج التعليم الإسرائيلية تفتقر إلى ذكر الهوية القومية الجماعية للمجتمع العربي الفلسطيني من جهة.
وتشدد زهد على أن الأمر لا يقتصر على تجاهل الهوية القومية للطالب العربي الفلسطيني، "بل إن مناهج التدريس الإسرائيلية مشبعة بتعليم مواضيع عن الدين والتاريخ اليهودي".
وتبين في دراستها أن وزارة "المعارف الإسرائيلية" بادرت مع بلدية الاحتلال في عام 1967 إلـى تشـريع حزمة من القوانين وإصدار العديد من الأوامر العسكرية، منها الأمر العسكري رقم 107 الـذي تم بموجبه حظر تدريس 55 كتابا مدرسيا.
ولإلحاق الضرر بالتعليم في مدينة القدس، عملـت سلطات الاحتلال في ذلك الوقت على تعيين مدرسين في المدارس العربية لا يحملون مؤهلات تربويـة وفنيـة تتيح لهم حق ممارسة مهنة التعليم، فكثير منهم حمل فقط شهادات الثانوية العامة.
كما تم حذف كل ما له صلة بالقضـية الفلسـطينية والشعب العربي الفلسطيني وجميع الآيات القرآنية التي تحث على الجهاد، والنصوص المتعلقـة بالصراع اليهودي الصهيوني - العربي الإسلامي، وكل ما له علاقة بالوحدة العربية والإسلامية.