"ما نمتش ليلتها" هكذا وصف الفتى المقدسي نعيم عشاير ليلة تحرره من سجون الاحتلال، فرحًا بتنسمه عبر الحرية بعد غياب 16 شهرًا عن عائلته.
يقول نعيم (16 عامًا) الذي يقطن بلدة الطور في القدس المحتلة: "انتظرت بفارغ الصبر قدوم الضابط الإسرائيلي ليوقع على أوراق الإفراج بعد قرار إدارة السجون إنهاء محكوميته قبل انتهاء المدة المقرر، خرجت لأرى الحياة من جديد وأعيشها، فقد كنت ميتًا في الأسر لا طعم للحياة بعيدًا عن الأهل والأحباب".
يصف زيارات أهله له خلال تلك المدة بأنها باردة لا مشاعر فيها، فالزجاج الفاصل بينهم، "وسماعة الهاتف التي بيننا تجعل اللقاءات بلا طعم".
ويضيف نعيم: "كنت مشتاقًا للجلسات بين أهلي ولا سيَّما لأمي كي تنسيني أوجاعًا وهمومًا عشتها في الأسر، يوم الإفراج بقيت سهرانًا للصبح مع أصدقائي نتسامر معًا، وربنا يطعم كل أسير هذا الشعور".
يعود بذاكرته ليوم الاعتقال، قائلًا: "في ليلة ليس فيها ضوء قمر، كنت نائم في البيت في أمان الله لأستيقظ فجأة وجنود الاحتلال تقف أمام سريري، اعتقدت أنه كابوسًا ولكن أيقنت أني لا أتمكن من الاستيقاظ منه، سألوني عن هاتفي المحمول، وقادوني إلى الاعتقال دون أن أعرف تهمتي، وعيون أمي تائهة تلحق بي".
وجهت مخابرات الاحتلال لـ"نعيم" تهمة الضلوع في أعمال المقاومة، وإلقاء الحجارة على المستوطنين، وأصدرت بحقه حكمًا بالسجن لمدة عشرين شهرًا وفرضت عليه غرامة مالية بقيمة 24 ألف شيقل.
وعلى حين يعاني الأطفال والفتية الفلسطينيون الأسرى في سجون ومعتقلات الاحتلال من ظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية، تفتقر إلى الحد الأدنى من المعايير الدولية لحقوق الأطفال وحقوق الأسرى، خضع نعيم لتحقيق قاسٍ لم يراعِ طفولته، إذ استمروا في التحقيق معه مدة 12 ساعة متواصلة.
وبلغة الواثق يقول: إن التهمة التي وجهت إليه جاهزة لجميع المقدسيين بهدف تنغيص حياتهم وقطع الطريق على حياة الأطفال وحرمانهم من استكمال دراستهم.
ويوضح نعيم أن بالأسر لدى الاحتلال تجعل حياة الفتية والأطفال الفلسطينيين مختلفة تمامًا بعيدًا عن أهله، فهو في أَمسِّ الحاجة إليهم في تلك الفترة العمرية، إلى جانب ظروف الأسر الصعبة فالطعام رديء، وهناك انعدام للنظافة وانتشار للحشرات، وعدم توفر وسائل اللعب والترفيه والتسلية، والمعاملة السيئة من قبل جنود الاحتلال، وفوق ذلك كله الإهمال الطبي.
ويلفت إلى أن الأسر حرمه من استكمال تعليمه برفقة زملائه وفي مدرسته التي اعتادها، ليعود بعد الانتهاء من التحقيق والحكم عليه إلى دراسته في الأسر، مع أنه لا يمكن المقارنة بينهما من ناحية الظروف وقوة التعليم، وغيرها.
ويستكمل حديثه: "أيام وشهور يتمنى الأسير أن تمحى من ذاكرته بسبب صعوبتها، فخلالها أصبت بمغص شديد وتبين أني مصاب بالتهاب الزائدة الدودية وأحتاج إلى إجراء عملية جراحية، نقلوني إلى عيادة سجن الرملة وبالأصح مقبرة الأحياء، تستيقظ من البنج ويداك مقيدتان بالسرير، كنت أتمنى في تلك الظروف أن تكون أمي بجانبي تخفف عني وجعي".
أما أيام الأعياد والمناسبات وحلول شهر رمضان، فيصفها نعيم بأنها من أصعب الأيام التي مر بها، فقد مرت على غير ما اعتاده في كل عام، كما شعر بامتعاض وحزن عميق عندما وصل إليه خبر الإفراج عن عمه بعد اعتقال دام ثماني سنوات دون أن يشاركه هذه البهجة.
"وفي تلك أيام العيد التي يفترض أن يعيش الطفل بين أهله يلعب ويمرح، لم تتوانَ إدارة السجون من التنغيص إذ قادتني إلى المحاكم والتحقيق والتعذيب في البوسطة، مع كل هذا الوجع فإني تعرفت إلى شباب يعشقون الوطن، ويبذلون الغالي والنفيس دفاعًا عنه، وأتمنى لهم فرجًا قريبًا وعاجلًا"، وفق حديثه.