تسعى الفصائل إلى تحريك المياه الراكدة لملف حقول الغاز الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط قبالة شاطئ قطاع غزة في ظل رفض إسرائيلي يحول دون الاستفادة من هذه الثروات، وقد نظمت فعالية بحرية في ميناء مدينة غزة بمشاركة شعبية الثلاثاء الماضي، للمطالبة بحق الشعب الفلسطيني في غازه.
هذه المطالب جعلت الملف يطفو على السطح من جديد بعد نحو 20 عامًا لم تستطِع السلطة استخراج الغاز رغم توقعيها العديد من الاتفاقيات التي شابتها علامات استفهام كبيرة.
وفي وقتٍ يستورد فيه الفلسطينيون 95% من احتياجاتهم من الطاقة الكهربائية من (إسرائيل)، فإن التقديرات الفلسطينية حول حقل "غزة مارين" الذي اكتشف قبل 20 عامًا، تفيد أن الحقل يحتوي على كميات كبيرة من الغاز الطبيعي تكفي لسد احتياجات الضفة الغربية والقطاع لأكثر من 25 عامًا، فضلًا عن تصدير كمياتٍ كبيرة منه.
يقع الحقل الفلسطيني على بعد 36 كيلومتر غرب قطاع غزة، في مياه البحر الأبيض المتوسط، وكان قد اكتشِف نهاية تسعينيات القرن الماضي، في حين بنت الحقل عام 2000 شركة الغاز البريطانية "بريتيش غاز"، ويتربع على مساحة تفوق 1000 كيلومتر، وسيتيح الحقل توريد الغاز الطبيعي لمحطتي توليد كهرباء بقدرة 730 ميغاواط، علمًا أن احتياج القطاع يصل إلى 670 ميغاواط، فيما يصل إليها 200 ميغا واط، حسب معطيات فلسطينية مختلفة.
بالقرب منه، يقع حقل آخر وهو (مارين 2) أصغر حجماً، وقدرت كميات الغاز فيه بحوالي 3 مليارات متر مكعب، يشير الخبراء إلى أن دولة الاحتلال قامت باستنفاده، فيما ترجح التقديرات الفلسطينية أن بحر غزة يحوي 8 حقول غاز على الأقل.
ثروة كبيرة
يقول المختص الاقتصادي سمير الدقران، إن حقل غاز غزة حق للشعب الفلسطيني، خاصة أن فلسطين عضو في منتدى شرق المتوسط للغاز والذي يضم أيضًا مصر، والاحتلال، واليونان، وينص المنتدى على حق الدول الأعضاء في توفير التسهيلات لحصول كل دولة أو شعب على ثرواته، معتبرًا أن دولة الاحتلال "تبلطج" على الغاز الموجود في البحر وتسرقه ليل نهار أمام العالم.
وأشار الدقران لصحيفة "فلسطين" إلى أن دولة الاحتلال تحرم غزة من ثروة كبيرة تقدر إيرادات حقل الغاز بنحو 150 مليون دولارٍ شهريًا، رغم أن القانون الدولي ينص على أن الثروات الطبيعية يجب أن تعود بالنفع على الشعوب الواقعة تحت الاحتلال، مؤكدًا أن الغاز ثروة من الثروات الطبيعية يعمل على تغيير الواقع الاقتصادي السيئ بالضفة الغربية وقطاع غزة، لواقع جيد يساهم في خفض معدلات البطالة.
ولفت إلى أن القانون والاتفاقيات الاقتصادية التي وقعت عليها السلطة مع الاحتلال، تنص على أحقية فلسطين في التنقيب والبحث عن الثروات، وحسب قانون البحار يحق لفلسطين أخذ حقوقها على بعد 22 ميلاً علمًا أن حقل "غزة مارين" موجود داخل تلك المساحة، أي أنه حقٌّ كامل للشعب الفلسطيني، إضافة لحقها في الحصول على الموارد في المياه الدولية على بعد 200 ميل.
وهذا ما يجعل لفلسطين حقًّا في حقل غاز "لفيتان" الذي تسيطر عليه دولة الاحتلال فيما تشير التقارير الدولية أن الاحتياطي الإستراتيجي له يساوي ستة أضعاف احتياط الغاز الموجود في الدول المجاورة.
وحقل "لفيتان" هو أحد أكبر حقول الغاز الطبيعي في البحر المتوسط، يقدر احتياطي الغاز فيه بين 16 و22 تريليون قدم مربع، ويقع على مسافة تقدر بحوالي 190 كيلومترًا شمال مدينة دمياط شمال شرق مصر، لكن ورغم قربه من مصر يسيطر عليه الاحتلال.
في الفترة الأخيرة يطفو موضوع حقل "غزة مارين" وسط تصاعد مطالبات الفلسطينيين بحقهم في الغاز، مطالبُ يعدها الدقران "أمرًا طبيعيًّا"، مشددًا على ضرورة رفع قضية لدى المحكمة الجنائية الدولية، وأن يُحشد تعاطف الدول الإقليمية مع مسعى الشعب الفلسطيني للحصول على ثروته ووقف "البلطجة" الإسرائيلية التي تعد نفسها فوق القانون.
اتفاقيات بلا فائدة
على حين يعتقد الخبير الاقتصادي محسن أبو رمضان، أن التوقيع على الاتفاق مع شركة "بريتش" غاز لم يكن موفقًا لأن الاتفاق ينص على أن حصة صندوق الاستثمار الفلسطيني هي 10% من عائدات بيع الغاز، و60% للشركة البريطانية، و30% لشركة اتحاد المقاولين "ccc".
وأعلنت حكومة رامي الحمد الله في مارس/ آذار 2018، تصديقها على خروج شركة "شل" العالمية للنفط والغاز، من حقل "غزة مارين" التي اشترتها من "بريتش غاز"، ونهاية العام الماضي وقعت الحكومة برام الله اتفاقية مع الشركة المصرية القابضة "إيجاس" لتطوير الغاز، ما يطرح تساؤلات عن جدوى الاتفاقيات والمذكرات المتكررة بلا فائدة حقيقية.
وعليه فإن هذه الاتفاقيات تحتاج إلى إعادة النظر، حسب أبو رمضان، وكذلك تحتاج إلى توافق فلسطيني عليه، لأن السلطة لا تملك السيطرة على غزة، وأن يشمل التوافق الوطني حركة المقاومة الإسلامية حماس والفصائل في غزة، لأن المردود يجب أن يكون لصالح الشعب الفلسطيني.
ويرى أبو رمضان في حديثه لصحيفة "فلسطين" أن المياه الراكدة في الملف يمكن أن تتحرك وهذا يحتاج إلى توافق فلسطيني داخلي، ودعم إقليمي وعربي للضغط على الاحتلال لاستخراج الغاز، لكون الاستيلاء على الغاز أحد أسباب الفقر والعوز وانعدام الأمن الغذائي وهذا بحاجة لكفاح ونضال على المستوى القانوني والدولي والدبلوماسي.
ولفت إلى أن تقديرات كميات الغاز هائلة وتعالج الأزمات الاقتصادية وتساهم بصورة فعالة في تحقيق التنمية والتطور.
لكن رئيس الهيئة الدولية للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني "حشد" د. صلاح عبد العاطي، يرى أن الاحتلال عرقل مسألة استخراج الغاز بعدما وقعت السلطة منذ اكتشاف الغاز اتفاقًا مع شركة "بريتش غاز"، واشترط الاحتلال بيعه لها بأسعار أقل من السوق، فيما ساهم الانقسام بتعطيل الملف، واستيلاء الاحتلال عليه إضافة لمنع الفلسطينيين من استخراجه وتوفير احتياجات السوق المحلي ومردود مالي.
يعتقد عبد العاطي، في حديثه لصحيفة "فلسطين" أن قضية حقول الغاز في الشرق البحر المتوسط بدأت تأخذ اهتمامًا كبيرًا في ظل سعي أوروبا لاستبدال الغاز الروسي.
حول كيفية البدء بمسار قانوني جديد للمطالبة بحصة فلسطين وترميم الأخطاء التي حصلت على مدار 25 عامًا، يشدد على ضرورة طرح الأمر على الأمم المتحدة بكل مكوناتها بما فيها محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، والضغط على الاحتلال من أجل تمكين الفلسطينيين من استخراج مواردهم ووقف انتهاكات الاحتلال انتهاكات حقوق الإنسان واتخاذ كل التدابير لإبقاء الملف حيًّا، ومنع الاحتلال الاستفراد في حقول الغاز.