فلسطين أون لاين

​مصابة بفشل كلوي

تسنيم طفلة تقارع المرض والحصار

...
غزة - عبد الرحمن الطهراوي

ينتاب الحاجة أم خالد حجي شعور بالقلق على مصير طفلتها الصغرى "تسنيم" ابنة الثلاثة عشر عامًا، المصابة منذ عدة أعوام بتفشي حاد بالكلى، خشية ألا تنال حقها بالعلاج الكامل؛ فيكتب "الموت" آخر فصول معاناتها المتفاقمة، على وقع تشديد الحصار الإسرائيلي ومضايقات السلطة الفلسطينية لسكان القطاع الساحلي.

وكتب أول فصول حكاية الطفلة تسنيم عقب انتهاء الحرب الإسرائيلية الأخيرة، صيف 2014م، عندما كانت تصاب بين الحين والآخر بحالات من الإغماء والتقيؤ دون أسباب واضحة، وبعد الفحوصات الأولية اتضح أنها مصابة بفشل في الكلى، يستلزم إخضاعها لعمليات غسل شبه يومية.

حاولت العائلة التي تعاني من تردٍّ حاد في أوضاعها المعيشية وانعدام مصدر الدخل المالي تأمين فرصة علاج فورية لطفلتها في أحد المستشفيات الخارجية، على أمل إنقاذ حياتها قبل أن تلحق بشقيقها الأكبر "سائد" الذي توفي إثر فشل كلوي أصابه في مطلع عام 2015م، ولكن دون أي شيء يذكر حتى اللحظة.

وعلى مقربة من سرير الشفاء الذي ترقد عليه تسنيم في مستشفى الدكتور عبد العزيز الرنتيسي تجلس الوالدة المغلوبة على أمرها، محاولة تهدئة فزع طفلتها في أثناء خضوعها على مدار أربع ساعات لعملية غسل للكلى.

وتقول الأم لصحيفة "فلسطين": "لم نكن نتوقع أن يخطف الموت أحد أفراد العائلة خلال سنوات قليلة بسبب الفشل الكلوي، ثم يأتي مجددًا ليهدد حياة ابنتي (..) اليوم نبحث في كل مكان عن فرصة للعلاج والحياة لطفلتي التي باتت أسيرة لجدران البيت الأربعة، ولقسم غسل الكلى".

وعلى مدار ثلاثة أيام في الأسبوع تخرج الحاجة أم خالد بصحبة طفلتها من منزل العائلة على الحدود الشرقية للقطاع، قاصدتين المستشفى منذ ساعات الصباح الباكر، وتعلق الأم على ذلك: "هي رحلة سفر وقهر بكل ما تحمل الكلمة من معنى، تبدأ من لحظة الاستيقاظ فجرًا حتى العودة إلى البيت ظهرًا".

وتضطر تسنيم إلى السير على قدميها مسافات كبيرة، للوصول إلى أقرب نقطة مواصلات، لانعدام وسائل النقل في المنطقة التي تقطنها عائلة حجي، الأمر الذي يزيد من إجهادها النفسي والصحي.

"وكيف تقضي البنت الصغيرة أربع ساعات أمام آلة الغسل؟"، تجيب الأم عن سؤال "فلسطين" بعد تنهيدة ممزوجة بكثير من القهر: "المعاناة تكون منذ اللحظات الأولى إذ تصل تسنيم مرهقة من بعد المسافة ومشقة الطريق، لتبدأ بمطالبتي بمغادرة المستشفى والعودة فورًا إلى البيت، ثم تزداد المعاناة عند انقطاع التيار الكهربائي فجأة".

وتزيد أم خالد في حديثها: "في حال انقطاع الكهرباء تعاد عملية الغسل مجددًا، الأمر الذي يرهق تسنيم ويصيبها بحالة من التذمر الشديد"، مشيرة إلى أن طفلتها تنظر إجراء عمليتين في المدة المقبلة، على أمل أن تنتهي معاناتها بإجراء زراعة كلية في أقرب فرصة ممكنة.

ولا تتوقف معاناة تسنيم عند هذا الحد، فعلى وقع تدهور ظروفها الصحية اضطرت إلى ملازمة البيت، والانقطاع عن إكمال الدراسة في المرحلة الإعدادية بمدرسة الحي، وكل ذلك جعل معاني الطفولة تنسلخ من حياة تسنيم في ظل سياسات الحصار والحرمان من العلاج.

واختتمت الأم حديثها بتأكيد مطلبها الأساسي: الإسراع في إنقاذ حياة طفلتها، وتوفير تكاليف زراعة كلية جديدة.

بدوره بين الدكتور نبيل عياد رئيس قسم غسل الكلى في مستشفى الرنتيسي أن الطفلة تسنيم حجي تنظر إجراء عملية زراعة كلية خلال المدة المقبلة من الوفود الطبية الأجنبية التي تزور القطاع كل قرابة ستة أشهر، مشيرًا إلى أن مشكلة تسنيم تكمن في اكتشاف مرض الفشل الكلوي متأخرًا، فضلًا عن صغر حجم الكلية من الأساس.

وذكر عياد لصحيفة "فلسطين" أن القسم الخاضع لإشرافه يستقبل حاليًّا قرابة 30 طفلًا، في حين يزيد عدد حالات الفشل الكلوي المزمن في قطاع غزة على 400 حالة، والعدد قابل للزيادة، لوجود حالات لم تشخص أو يطلع عليها بعد.

وبين أن أكبر المعوقات التي تواجه قسم غسل الكلى هو عدم وجود برنامج متخصص لتعبئة الساعات الأربع التي يقضيها الطفل بجوار آلة الغسل، فضلًا عن غياب بنك الأعضاء اللازمة لعمليات الزراعة.