بنى محمود الشيخ بيته منذ تسع سنوات في قرية عناتا الواقع في الشمال الشرقي لمدينة القدس المحتلة، ولأنه مولع بالخيول أقام مزرعة للعناية بها إلى جوار بيته، وعاش حياته هانئة حينًا من الدهر حتى نغّصتها إخطارات جيش الاحتلال تطالبه بترخيصهما.
وبدأت الإخطارات تتوافد إلى الشيخ منذ شهر ونصف، ومنذ تلك اللحظة توجَّه لعمل إجراءات الترخيص ولكنّ طلبه قوبل بالرفض، وللطعن في القرار وكَّل محاميًا لأخذ إجراءات التقاضي في محاكم الاحتلال. لكنّ قوات الاحتلال الإسرائيلية لم تنتظر انتهاء هذه الإجراءات، وتوجهت فجأة إلى هدم منزله والمزرعة دون إنذار أو إخطار مكتوب مسبق وِفق الإجراءات القانونية التي تتبعها في مثل هذه الحالات.
وتقول مؤسسات حقوقية فلسطينية وإسرائيلية ودولية إنّ بلدية الاحتلال في القدس تُقيِّد البناء الفلسطيني في شرقي مدينة القدس في الوقت الذي تُفرِّط فيه بمنح رخص البناء لمستوطنات مقامة على أراضي المدينة.
هدم غير قانوني
كان الشيخ يؤدي صلاة الفجر في المسجد الأقصى، وهاتفه المحمول لم يهدأ من سيل المكالمات التي وردت إليه من أبناء عمه، والذين تفاجؤوا بجيبات وجرافات الاحتلال تتوقف أمام بيته ومزرعته، وعدد كبير من جنود الاحتلال يطوقون المنطقة.
من هول الصدمة طوى الأرض طيًّا حتى وصل إلى بيته، وإذ به يُفاجأ بجرافات الاحتلال تنزع أبواب البيت، والمزرعة.
يقول الشيخ لـ"فلسطين": "ما إن وصلتُ إلى المكان حتى وجدت ابني وعامل المزرعة وُضِعا في زاوية وعليهما حراسة لمنعهما من استخدام هواتفهما المحمولة حتى لا يتصلا بي، ووجدت الجنود يحملون كيسًا به عدد من أرسان الخيل، وآخرين مدربين على التعامل مع الخيول حتى يخلوا خيولي من المزرعة".
ويتابع: "أخرجوا الخيول فقط ومنعونا من إخراج بقية الأغراض من البيت والمزرعة، وبدأت جرافاتهم في هدم المزرعة والبيت فوق ما بداخلها من مراوح ومشارب وأماكن أكل للخيول، وحتى الساحة الرملية التي كانت الخيول تلهو بها جرفوها".
ويشير الشيخ إلى أنّ الاحتلال هدم البيت بما فيه من غرفة نوم لم يمضِ على تركيبها ثلاثة أشهر، مع أربعة مكيفات للهواء، وممتلكات خاصة أخرى رفضوا إخراجها.
ويصف حالة الجنود الإسرائيليين لحظة الهدم، أنهم كانوا خائفين متوترين، قائلًا: "خافوا من صراخنا ومقاومتنا لهم، لذا كانوا يهدمون كل شيء بسرعة البرق حتى لا يتجمع الناس وتصير هناك مواجهات أو صدامات معهم من قبل الشبان، ولهذا السبب اختاروا توقيت صلاة الفجر قبل استيقاظ الناس وخروجهم إلى أعمالهم".
خسائر بآلاف الشواكل
وتكبّد الشيخ خسائر كبيرة من جراء هدم مزرعة الخيول، لأنّ تربيتهم والاعتناء بهم تُكلّفه مصاريف كبيرة، كما أنّه سيضطر حاليًّا إلى استئجار مزرعة للخيول للبيات بها التي ستُكلّفه 30 ألف شيقل، وفق قوله.
وعن إجمالي الخسائر التي تكبّدها من جراء هدم بيته ومزرعته، يذكر أنها تعدت 800 ألف شيقل، وهذا ما يُثقل كاهله حاليًّا، لأنه خسر بيته وعمله ولن يقوى على مصاريف الحياة في ظلّ الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعيشها المقدسيون إذ تحاصرهم الضرائب في كل مناحي الحياة.
ويُلفت الشيخ إلى أنّ الاحتلال لم يكتفِ بهدم بيته ومزرعة خيوله، بل هدم محلًّا لعجلات السيارات (البناشر)، ومغسلة للمركبات أيضًا.
ويبدي الشيخ إصرارًا على إعادة بناء بيته ومزرعته مرة أخرى، "فحتى لو هدموها مرة ثانية سأعيد بناءها في كل مرة ولن أستسلم (...) صمدنا 74 عامًا وسنصمد لمائة سنة قادمة، لن نخرج من أرضنا وسنعود إلى ديارنا بعد تحريرها ودحر الاحتلال منها، لن يكسروا صمودنا كما شجرة الزيتون، وشامخون كأسوار القدس".