فلسطين أون لاين

تقرير "منى خصيب".. مولودة تبصر النور ووالدها يسكن ظلام سجن أريحا

...
المعتقل السياسي أحمد خصيب
رام الله-غزة/ يحيى اليعقوبي:

أبصرت منى أحمد خصيب النور وأطلقت صرخات الحياة الأولى قبل أربعة أيام، في فرحة صامتة، أطفأ وهجها غياب والدها القابع في ظلام سجن أريحا منذ 98 يومًا، محروما من سماع "مناغاتها الأولى" وضمها بين ذراعيه، ليكون آخر من يعلم بنبأ قدومها إلى الدنيا.

"تواصلنا معه لإخباره عبر هاتف، لم يكن صوته طبيعيا، كان متأثرًا، كان يتمنى أن يعيش هذه الفرحة ويحتضن طفلته، لكنه طلب إيصال صورة لها في موعد زيارته السبت القادم. سأحاول التعافي لأذهب مع طفلتي كي يراها ويطمئن قلبه لعل رؤيته لها يهون عليه مرارة الاعتقال"، بفرحة يكسرها غياب زوجها تستهل زوجته فاتن غنام (23 عامًا) حديثها لصحيفة "فلسطين".

لأكثر من ثلاثة أشهر يغيّب أحمد خصيب عن عائلته، فترة صعبة وليست بسيطة مرت على زوجته، تفشل في استبدال صوت القهر بالفرح وهي تتحدث عن تأثير الغياب: "المدة ليست بسيطة والأمر ليس سهلا، وستمر ذكرى زواجنا في 18 سبتمبر/ أيلول، ولن يكون قد أفرج عنه، جاءت ابنته ولم يرها، وكان آخر من سمع بخبر ولادتها"، تضيف: "لا نعرف لماذا يتم اعتقاله حتى الآن؟".

تردف بقهر ووجع: "ما يعز علينا أن التهمة ظالمة، عطلت حياتنا، وحرمته من تقديم امتحان مزاولة المحاماة، وهذه المرة الثالثة التي يتعطل فيها عن الامتحان منذ تخرجه عام 2018، إذ اعتقله الاحتلال عدة مرات بلغ مجموعها ثلاث سنوات أسر".

لم تتعطل حياة المعتقل خصيب فحسب، بل تشتت زوجته الحامل إثر ذلك، فمنذ شهر اضطرت للذهاب إلى بيت عائلتها في مدينة قلقيلية أمام غياب زوجها القسري عن منزلهما في عارورة شمال رام الله "أحمد ليس لديه شقيقات، لذلك كان متلهفًا لاستقبال طفلته، وكذلك أهل زوجي، الجميع كان سعيدًا وباللهفة ذاتها، إلا أن ظلام السجن أفسد كل شيء".

يرافق صوتها وجع يطبق على روحها: "كلما نظرت لطفلتي أشعر بالقهر لأني أراها ووالدها لا يراها وكان يتمنى أن يعيش هذه اللحظة بفارغ الصبر (..)كانت فرحتنا صامتة، فحضوره أهم شيء، أي زوجة في هذا العالم يهمها أن يكون زوجها بقربها في هذه اللحظة".

تفصح عن شيءٍ مما عانته: "لم أره إلا بعد شهر من اعتقاله، ثم حرصت على زيارته كل يوم سبت إلا في آخر أسبوعين لم أستطع مع متاعب الولادة (..) في سجن أريحا لم تكن المعاملة مختلفة عما تواجهه عائلات الأسرى في سجون الاحتلال، يقف الزائر أمام بوابة الزيارة، أحيانًا يستمر الانتظار ساعة ولا يفرقون بين امرأة حامل أو كبير سن، الجميع ينتظر واقفًا، حتى يأتي دورنا، فندخل ويكون هناك عازل زجاجي يفصلنا وفيه فتحة صغيرة نتحدث من خلالها".

خلال الزيارة التي تستمر 15 دقيقة، يقف أربعة عناصر أمن على فم المعتقل وزوجته، يستمعان للحديث ويطبقان على أنفاسهما، في لحظة "تنعدم فيها الخصوصية، ويصبح الحديث فقط عن الأشياء العامة، عدا عن قيود كبيرة على ما يسمح بإدخاله، حتى المصحف يخضع للرقابة وكذلك الكتب".

خصيب "محامٍ لا يستطيع الدفاع عن نفسه" وصلت زوجته لهذه القناعة بعد تجربة الاعتقال، لأن "المحاكم صورية"، مدللة على ذلك بقولها: "في جلسة محاكمته الأخيرة طلب زوجي من القاضي أن يكون معي في فترة ولادتي، لكنه تجاهل طلبه، ومدد اعتقاله لحين جلسة المحاكمة القادمة في 21 سبتمبر الجاري التي سيصدر فيها حكم على جميع المعتقلين، ونأمل أن يتحرر من تلك القيود".

قبل ثلاثة أشهر، اعتقل "خصيب" وهو خارج من صلاة الفجر، في مشهدٍ أشبه بـ"عملية اختطاف" حسب تعبيرات زوجته، فلولا تدخل الجيران وإجبار الأشخاص الملثمين على كشف هويتهم، لظلت العائلة مشغولة في معرفة مصيره.

و"منى" هي المولود الثاني الذي يخرج للحياة ووالدها معتقل في سجون أجهزة أمن السلطة، إذ أنجبت زوجة المعتقل "أحمد هريش" قبل ثلاثة أسابيع طفله البكر "كرم"، علمًا أن والدي الطفلين معتقلان في السجن ذاته وعلى الملف نفسه، والآن؛ يتشاركان نفس الحرمان في ظلام السجن دون تهمة.