قائمة الموقع

في رسالة وداع.. هيثم مبارك طلب رضا أمه ونادته حتى يرجع

2022-09-11T11:32:00+03:00
الشهيد هيثم مبارك

صدى رنين رسالة هاتفية دوت بقلبها وغيّر ملامحها وهي تقرأ كلمات يحزم فيها ابنها الوحيد هيثم مبارك (17 عامًا) حقائب الوداع يطلب رضاها: "يما ارضِ عني، وسامحيني.. مشان الله؛ ادعيلي!" كلمات وجملة قصيرة ختمها في كلمة جامعة لكل المشاعر: "بحبك"، رسمتْ عيناها خطًا من الدموع وهي تقرأ بصدمةٍ، مدركةً أنها "رسالة رحيل"، دق قلبها من القلب، والخوف، فنادته برسالةٍ رافقتها دموعها: "هيثم، ارجع، وين رايح وتاركني لحالي.. ارجع!".

أدركت أم هيثم أن هناك شيئًا، تفقدت سرير نوم ابنها ورأته مرتبًا لا يوجد عليه آثار نومٍ فزادت حيرتها، راجعت تفاصيل يومها معه ولم تعثر على شيء من علامات أو رسائل مشفرة حاول ابنها تمهيد الأمر عليها، تمنت لو كان باستطاعتها تجرع مرارة الصدمة على دفعاتٍ وليس مرةً واحدةً.

شهيد مجهول!

فجر الخميس 8 سبتمبر/ أيلول 2022، بدأت الأخبار تتوارد عن استشهاد شاب برصاصة جندي إسرائيلي على مدخل قرية بيتين شمال رام الله والبيرة، وبقي مجهولاً لأن الاحتلال احتجز جثمانه بعد إعدامه، إلا والدته كانت تعرف من طبيعة رسالة الوداع أن المجهول هو ابنها الوحيد هيثم مبارك من قرية "أبو فلاح" شمال رام الله.

تستمع صحيفة "فلسطين" عبر الهاتف لصوت والدته، وهو يرتدي ثوب الصبر أمام وجع الفراق: "مرَّ يومه الأخير طبيعيا، تحدثنا عن إضراب المعلمين الذي تشهده الضفة الغربية، لكونه طالبا بالصف الحادي عشر "علمي" وهو متميزٌ ومتفوق، وقبل ذلك عاد من المدرسة مثل كل يوم، حتى أن أصدقاءه أخبروني أنه أمضى يومه الدراسي بلا أي تعابير أو وصايا".

في اليوم ذاته، خرج هيثم مع والدته لشراء بعض الأغراض، واحتسيا كوبًا من الشاي معًا، كل شيءٍ استمر على هذا الحالة، حتى أشارت الساعة إلى التاسعة والنصف مساءً، وهو موعد نوم أمه التي تعمل في الجهاز المركزي للإحصاء.

"عندما ذهبت لأخلد إلى النوم، استأذن مني للعب على الحاسوب، وعندما استيقظت، افتقدته، فوصلت الرسالة، ذهبت لغرفته فلم أجده، حينها شعرت أن هناك أمرًا ما، فيما بعد اتضح لي، أن إعدامه كان الساعة 12:40 فجرًا، ووصلتني الرسالة الساعة الواحدة و13 دقيقة، أي إن الهاتف كان مغلقًا، وعندما فتح جنود الاحتلال هاتفه، وصلت الرسالة، وبنفس الطريقة وصلت رسائل وداع لزملائه بالمدرسة"، تقول الأم المكلومة بوجع الفراق.

لحظة وصول الرسالة ذهبت أكبر توقعاتها، لأن ابنها ذهب برفقة أصدقائه لرشق جنود الاحتلال بالحجارة، فقد كان قلبه ينبض بحب فلسطين، لا يحب أن يرى المحتل يسرح ويمرح دون مقاومة، يطل صوته على حديثها: "كان يؤيد ويحب المقاومة، يقول لي: "إذا أنا وأنت ما قاومنا، مين بده يقاوم!؟ وإذا أنا وأنت بدنا نسافر ونطلع نعيش برا، لمين نسيب أرض الرباط!؟".

علامة أكدت الخبر!

صورة سكين ومطرقة "شاكوش" نشرها الاحتلال، كانت علامة أكدت لها أن الشهيد هو ابنها، لم يكن صوتها باكيًا، بل متماسكٌ صابرة محتسبة رغم فاجعة فراق ابنها الوحيد: "عندما رأيت الصورة، تأكدت أنه ابني، وأن السكين والمطرقة من منزلي (...) قام ابني بضربِ جندي بها –حسب ادعاءات الاحتلال– وبعض روايات شهود العيان، فتراجع الجندي، في الأثناء قام جندي إسرائيلي آخر من أعلى برج عسكري بإطلاق رصاصة على رأسه".

وتضيف: "ذهبت للمستشفى في رام الله، سألت هل هناك شهيد وصل، فقالوا إنه لم يأتِ شهيد بعد، فأخبرتهم أن ابني شهيد، استغرب الجميع من كلامي، وحاولوا تمهيد الأمر علي بأنه قد يكون مصابًا".

لدى هيثم تسعة إخوة من جهة الأب، لكنه وحيد أمه المنفصلة عن والده، أطلقت تنهيدة وجع، ثم أضافت كلمات خرجت من أعماق قلبها: "علاقتي به ليس علاقة أم بابنها، بل كنا كصديقين، تخيل أنني كنت أعود من العمل وأجده أعد الغداء بنفسه، وتعلم الطهي لأجلي، يحضر لي كل شيءٍ أحبه، يتفقدني في يوم ميلادي، يوم الأم العالمي، دائمًا نخرج معًا يوم إجازتي للتنزه في الخارج، الآن مع من سأخرج وقد أصبح البيتُ خاليًا". 

لم يكن هناك شيء أقرب إلى قلبه من أمه، التي كانت كل شيء بالنسبة له، ودائمًا يسعى لنيل رضاها، والتودد إليها في المعاملة وبرها، لكنها لم تكن تدرك أن حب فلسطين كان أقرب منها، وأن نار الثورة التي كانت تغلي في داخل الفتى لم تنتظر أن يكبر قليلاً، ولم تنتظر أن يعيشا أفراحًا كثيرةً، رسمتها الأم لابنها في جلساتهما المسائية معًا، بإطلاق طبول الفرح بنجاحه بالثانوية العامة، وزفافه، ولم تكن تدرك أنها ستقيم عرس زفافه شهيدًا قبل إتمام تلك المراسم السابقة.

اخبار ذات صلة